الأقسام:

شرح زيارة آل ياسين - علي كوراني

شرح زيارة آل ياسين - علي كوراني 

وهل الإيمان إلا الحب والبغض ؟

حب المؤمن لنبيه (صلّى الله عليه و آله وسلّم ) وإمامه (عليه‌السلام) حبٌّ خاصٌّ، قد يصل الي حد الهيام بشخصيه الإمام الفريده ، التي تتجسد فيها إراده الله تعالي ، وتتجلي فيها أسماؤه و أنواره .

قال الفضيل بن يسار: « سألت أبا عبد الله(عليه‌السلام) عن الحب والبغض، أمن الإيمان هو؟ فقال: وهل الإيمان إلا الحب والبغض؟ ثم تلا هذه الآيه: حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الآيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ». «الكافي:2/124» .

وفي مستدرك الحاكم «2/291»: «قال رسول الله (صلّى الله عليه و آله وسلّم) : الشرك أخفي من دبيب الذر على الصفا في الليله الظلماء . و أدناه أن تحب علي شئ من الجوْر وتبغض على شئ من العدل . وهل الدين إلا الحب والبغض . قال الله عزوجل: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ».

يتفاوت الناس في طاقه الحب والبغض!


يحتاج الإيمان الي طاقهٍ من حب الخير وبغض الشر، تجعل الإنسان يتفاعل مع الكون والطبيعه والمجتمع ، ومع العقائد والمشاعر ، فينبض قلبه وتجيش مشاعره،حباً للحق والخير،وبغضاً للباطل والشر. ويتفاوت الناس في طاقه الحب التي أعطاهم الله ، وفي تربيه الشخص وتنميته لها. والبغض مثله دائماً أو غالباً .

فقويُّ العاطفه والحب ، المملوء حيويهً ، مرشحٌ لأن يكون مؤمناً متديناً . أما ضعيف العاطفه ، الذي قلما تجيش مشاعره أو ينبض قلبه ، فهو يشبه الميت ، وليس مرشحاً للإيمان أو لدرجه عاليه فيه .

وقد وصف الله تعالي هذين النوعين من الناس فقال: وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ . «فاطر:22».

وقال تعالي: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا. «الأنعام:122».

وكل إنسان لا بد أن يكون محباً لنفسه ولأنواعٍ من الخير أو الشر، فإن وجدت شخصاً لا يحب الله ورسوله وأولياءه مثلاً ، فابحث عمن يحب بدلهم ، أو في مقابلهم !

ويحتاج الحب والبغض الي العقل والشرع

ولا تكفي طاقه الحب والبغض وحدها ليكون الإنسان مقبول الإيمان بل لا بد له من عقل يوجه حبه وبغضه ، ويحفظهما في نطاق الإعتدال والشرع ، وهذا معني الحب في الله والبغض في الله عزوجل ، أي الخاضع لأحكام الشريعه ، وأوامر الله تعالي ونواهيه .

قال الإمام الباقر(عليه‌السلام) : « قال رسول الله(صلّى الله عليه و آله وسلّم) : وُدُّ المؤمن للمؤمن في الله من أعظم شعب الإيمان . ألا و من أحب في الله ، وأبغض في الله ، وأعطى في الله ، ومنع في الله ، فهو من أصفياء الله » . «الكافي «2/124».

وروي ابن عبد البر في التمهيد «17/430»: «عن ابن مسعود قال: قال رسول الله(صلّى الله عليه و آله وسلّم ) : يا عبد الله بن مسعود . قلت: لبيك يا رسول الله ، قال: تدري أي عرى الإيمان أوثق؟ قال قلت: الله ورسوله أعلم . قال: الولايه في الله ، والحب والبغض فيه» .

حب النبي(صلّی الله عليه و آله وسلّم) وأهل بيته (عليهم‌السلام) أرقى أنواع الحب


روي في الكافي «8/78» عن الإمام الصادق(عليه‌السلام) هذه الروايه العجيبه ، قال: «كان رجلٌ يبيع الزيت وكان يحب رسول الله(صلّى الله عليه و آله وسلّم) حباً شديداً ، كان إذا أراد أن يذهب في حاجته لم يمض حتى ينظر إلي رسول الله (صلّى الله عليه و آله وسلّم)!

وقد عَرف ذلك منه ، فإذا جاء تطاول له حتي ينظر إليه ، حتي إذا كان ذات يوم دخل عليه فتطاول له رسول الله(صلّى الله عليه و آله وسلّم) حتى نظر إليه ، ثم مضي في حاجته فلم يكن بأسرع من أن رجع!

فلما رآه رسول الله(صلّی الله عليه و آله وسلّم) قد فعل ذلك أشار إليه بيده إجلس فجلس بين يديه فقال: مالك فعلت اليوم شيئاً لم تكن تفعله قبل ذلك؟

فقال: يا رسول الله والذي بعثك بالحق نبياً لَغَشِيَ قلبي شئٌ من ذكرك حتي ما استطعت أن أمضي في حاجتي ، حتي رجعت إليك ، فدعا له وقال له خيراً .

ثم مكث رسول الله (صلّی الله عليه و آله وسلّم ) أياماً لا يراه ، فلما فقده سأل عنه فقيل: يا رسول الله ما رأيناه منذ أيام ، فانتعل رسول الله(صلّی الله عليه و آله وسلّم ) وانتعل معه أصحابه وانطلق حتي أتوا سوق الزيت ، فإذا دكان الرجل ليس فيه أحد ، فسأل عنه جيرته فقيل: يا رسول الله مات ، ولقد كان عندنا أميناً صدوقاً ، إلا أنه قد كان فيه خصله ! قال: وما هي؟ قالوا: كان يرهق ، يعنون يتبع النساء . فقال رسول الله(صلّی الله عليه و آله وسلّم ): رحمه‌الله ، والله لقد كان يحبني حباً لو كان نَخَّاساً لغفر الله له ».

أقول: النخاس بائع الجواري ، وهو عاده يقع في الحرام ويرتكب الزنا معهن . ومعني قول النبي(صلّی الله عليه و آله وسلّم ) :إن حب الشاب بياع الزيت له وهيامه به ، حتي لا يستطيع أن يذهب الي عمله حتي يراه كل يوم ، هذا الحب ، يغلب ذنوبه حتي لو كانت كذنوب نخاس زناء .

ونلاحظ في الحديث شهاده رفقاء بياع الزيت بصدقه وأمانته ، فذلك من تأثير حبه للنبي (صلّی الله عليه و آله وسلّم )، وإن بقيت عنده معاص في سلوكه .

كما نلاحظ أن مؤشرب حبه رضي‌الله‌عنه دله علي أن يري رسول الله(صلّی الله عليه و آله وسلّم ) لآخر مره ، فرجع اليه ليراه رؤيه مودع ، ثم توفى بعد ذلك !

وقال بريد بن معاويه العجلي(رحمه‌الله) «تفسير العياشي:1/167»:

«كنت عند أبي جعفر «الإمام الباقر(عليه‌السلام)» إذ دخل عليه قادمٌ من خراسان ماشياً، فأخرج رجليه وقد تغلفتا «ورمتا من المشي» وقال: أما والله ما جاء بي من حيث جئت إلا حبكم أهل البيت ! فقال أبو جعفر(عليه‌السلام) :والله لو أحبنا حجر حشره الله معنا ، وهل الدين إلا الحب ، إن الله يقول: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ . وقال: يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ. وهل الدين الا الحب .

وقال ربعي بن عبد الله: قيل لأبي عبد الله «الإمام الصادق(عليه‌السلام) »: جعلت فداك إنا نسمي بأسمائكم وأسماء آبائكم فينفعنا ذلك؟

فقال: إي والله ، وهل الدين إلا الحب؟ قال الله: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ».

أقول: يدل قول الإمام الباقر(عليه‌السلام) : لو أحبنا حجر حشره الله معنا، علي أن الجمادات لها أرواح بحسبها ، كما نذهب اليه ، ولذلك قال الله تعالي: وَإِنْ مِنْ شَئٍْ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لاتَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ . كما

يدل علي أن الحشر يوم القيامه شامل لكل ذوات الأوراح والنبات والجماد .

وفسره بعضهم بوجه ضعيف: لو أحبنا شخص قلبه حجر، لصلح بحبنا وحشره الله معنا ، فيكون معناه تأثير حبهم(عليه‌السلام) في حسن عاقبه الإنسان .

أما معني نفع تسميه أولادنا بأسماء أهل البيت(عليهم‌السلام) فهو أن ذلك يقربنا من الله تعالي فينفعنا ، كما ينفع أولادنا بتأثير وضعي وشرعي .

الإنتاجات
k