الأقسام:

رسالة في بيان استجابة الدعاء

 

رسالة في بيان استجابة الدعاء 

 ابي الحسن الطباطبائي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اعلم أن الماهيات و المعاني كالفرس و الإنسان و العنب -مثلا-لا تكون مجعوله و مخلوقه،لان الخالق يجب أن يعلم أيّ شيء يخلق و يوجد قبل ايجاد ذلك الشيء،كالكاتب يجب ان يعلم كلمه و حرفا يكتب قبل أن يكتبها ثم يكتبها،و هذه الماهيات تكون صورا علميه للواجب تعالی،لانها ان كانت مخلوقه يجب أن تكون معلومه بالصوره العلميه الأخرى،و هكذا حال تلك الصوره،فاما أن يتسلسل هذا الأمر أو ينتهي إلىلى صور لا تكون مجعوله، و التسلسل باطل فيجب الانتهاء إلىلى صور غير مخلوقه و لا يلزم من علم الواجب تعالى بهؤلاء الصور تعدد الواجب و الشركاء له،لان تعدد الواجب هو تعدد وجود الواجبي،و انها لا تكون تعدد الوجود بل تعدد الماهيات و المعاني التي تكون موجوده بوجود الحق و لا تكون لها وجود على حده،قال الله تعالى: إِذٰا أَرٰادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فعلى هذا يجب أن يكون الشيء قبل الايجاد حتي يتعلق به الإراده و حتی يصح أن يقال له:«كن».

و لكل من هذه الماهيات الغير [غير] المجعوله استعداد خاص،فهذه الماهيات الموجوده بوجود الواجب،الممكنه الوجود في الخارج بوجودها الخاص،استدعت من جود الواهب الحق المطلق بلسان الاستعداد وجودها الخاص بها،فأفاض الجواد الحقيقي المطلق عليها الوجود الخاص بها على طبق استعدادها،فالقابليه و الاستعداد من الماهيات،و الايجاد على وفق الاستعداد من الحق، و لذا يكون صدور الأفعال من العباد أمر[امرا]بين الأمرين. و الماهيات على نحو الكلي على اقسام ثلاثه: القسم الأول:هي الماهيات السعيده الذات تقبل الوجود النوري من الحق،و بعد قبول[ال]وجود الخاص بها تكون جميع صفاتها جميله حسنه و لا يحتاج أصلا في كسب البهجه و السعاده إلي إبلاغ من الله من الرسل و السفراء،و هؤلاء هم السابقون المقربون. و القسم الثاني:هي الماهيات و الأعيان الشقيه بحسب الذات تقبل[ال]وجود الظلماني،و بعد قبول[ال]وجود الخاص بها تكون جميع صفاتها و أفعالها قبيحه خسيسه،و إبلاغ الرسل و الأنبياء إليهم لا يفيد أصلا، سَوٰاءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاٰ يُؤْمِنُونَ و هؤلاء أصحاب المشئمه. و القسم الثالث:هي الماهيات و الأعيان التي تكون بحاله و استعداد بحيث إذا اعلمها الله و رسله طريق الخير يسلكها،و لو لم يعلمها لم يسلك،و لكن استعدادها تكون بحيث يجب الاعلام بهم،و يجب قبولهم له،و الاعلام و القبول هما سببان لسعادتهم،و يجب كلاهما بالقضاء و القدر،لان استعدادهم يقتضي ذلك فيجب الاعلام و يجب القبول بعد الاعلام و بعدهما يحصل السعاده،فحصول السعاده موقوف عليهما. و هما سببان لحصول المطلوب فالدعاء كالدواء للمريض، و هؤلاء هم أصحاب الميمنه و وجود الرسل و الابلاغ مفيد في حق هؤلاء دون غيرهم،نعم فائدته هي التميز بين الطيب و الخبيث،لانه بوجوده و إبلاغه يتميز الخبيث عن الطيب،فمن أطاعهم و لا ينكرهم هو الطيب،و من خالفهم و ينكرهم هو الخبيث.و الابلاغ و الرساله و الامر و النهي أيضا تكون لازمه لماهيه الرسل و لا ينفك عنهم، سواء تكون مطاعه أم لا.

فالطائفه الأولی:لا تحتاج إلي الأمر بالدعاء،بل يعلمون أن الأمر في الواقع كيف يكون،فان علموا ان أسباب حصول المطلوب هو الدعاء دعوا،و ان علموا أن الدعاء ليس سببا له لم يدعوا،و في هذه الطائفه قوم تكون فانيه في الله،و لا تكون ملتفته إلي الدعاء و غيره حتي نفسهم[أنفسهم] و لا يشاهدون إلاّ الحق. و الدعاء من الطائفه الثانيه لا مفيد لهم،صم،بكم،عمي،لانهم في الحقيقه ليس دعاؤهم دعاء،و ليس دعاؤهم مستجابا،فان الدعاء الذي وعدنا الله باستجابته بقوله: اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ 

له شرائط:

منها:المعرفه الصحيحه بالله للداعي

 شهود الداعي بطلان وجوده،و لذا يكون[ال]دّعاء الحقيقي أفضل درجات السلوك و من شعار الصالحين .

قيل للامام الصادق عليه‌السلام:ما لنا ندعو فلا يستجاب لنا؟قال عليه‌السلام:«تدعون من لا تعرفونه»، فالذي يدعو الله و ليس له المعرفه الصحيحه الشهوديه ليس بداعي[بداع]للحق الذي ضمن له الإجابه بقوله: اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ و انما هو متوجه في دعائه إلي الصور المستخفيه في ذهنه الناتجه من نظره و حاله.

و منها:كون المدعو له نافعا غير مضر لنظام الكل.

و منها:عدم كون سبب الآخر معاوقا[معوقا]

بحيث يكون ذلك أولي بالوجود من هذا،و وجود هذا و وجود ذلك معا من المحال. قال بعض الفضلاء و ان قيل:ان العارف بالله و صفاته و أفعاله يعرف أن البارئ سبحانه لا يفعل خلاف مقتضي الحكمه،فلو سئل مما ينتهي على خلاف المصلحه لا يفعله مع الدعاء،و ما انتهي عليه المصلحه يفعله و ان لم يسأل.

قلت أولا:ان الدعاء عباده في نفسه،لما في الدعاء من إظهار الخشوع و التذلل و الافتقار إليه و هو أمر مطلوب لله عز و جل من عبده،و يؤيد ذلك ما روي ان الصادق عليه‌السلام قال:الدعاء هو العباده التي قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبٰادَتِي الآيه ادع الله و لا تقل ان الأمر قد فرغ عنه[منه].

و ثانيا:انه لا يمتنع أن يكون وقوع ما سأله انما صار مصلحه بعد الدعاء،و لا يكون مصلحه قبله،و قد نبه على ذلك الصادق عليه‌السلام في قوله لميسر بن عبد العزيز:يا ميسر ادع و لا تقل ان الامر قد فرغ منه،ان عند الله منزله لا تنال الا بمسأله،و لو أن عبد الله لم يسأل لم يعط شيئا فاسأل.يا ميسر انه ليس باب يقرع الا يوشك أن يفتح لصاحبه ثم نقول:الإجابه ان كانت مصلحه،و المصلحه في تعجيلها عجلت،و ان اقتضت المصلحه تأخيرها إلي وقت اجلت إلي ذلك الوقت و كانت الفائده من الدعاء مع حصول الإجابه زياده الاجر بالصبر. و ان لم يوصف بالمصلحه في وقت،كانت في الإجابه مفسده يعلمها الله تعالى لا غيره استحق بالدعاء الثواب أو يدفع عنه السوء مثلها،و هذه الآيه في سوره النحل: مَثَلُ السَّوْءِ قال القاضي:أي صفه السوء و قال صاحب المجمع:أي الصفه الذميمه  انتهي.

و يؤيد ذلك ما روي عن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله:ما من عبد دعا الله سبحانه دعوه ليس فيها قطعيه رحم،و لا إثم الا أعطاه الله بها أحد خصال ثلاث:اما أن يعجل دعوته،و اما أن يدّخر له،و اما أن يرفع عنه من السوء مثلها.

اعلم أنّ كل ذره من ذرات العالم يدعو الله اضطرارا بلسان حاله باسم من أسمائه،مثلا المريض باسم الشافي،و المظلوم باسم المنتقم،و الفقير باسم الغني،و هو تعالى يجيب دعوته في حضره ذلك الاسم الذي دعاه به،كما قال: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذٰا دَعٰاهُ الآيه و مطالب الكل على حسب مسئولاتهم مبذوله دائما،و حوائجهم مقضيه أبدا.

و اعلم:أن الأفلاك موجوده و لها نفوس ناطقه فضلا عن الحيوانيه،و تلك النفوس عالمه بما يقع في هذا العالم العنصري المادي، و لها شهود بما يقع فيه،و يكون لها جهتا الفعل و الانفعال،فمن جهه الأولي يؤثر في هذا العالم،و من جهه الثانيه يتأثر من الأمور الواقعه في هذا العالم،و مع أنها هي المؤثره يكون الفعل منسوبا إلي الله تعالى لان فعلهم بعينه فعل الله تعالى لاٰ يَعْصُونَ اللّٰهَ مٰا أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ مٰا يُؤْمَرُونَ اذ لا داعي لهم على الفعل الا إراده الله

عز و جل،لاستهلاك إرادتهم في إرادته،و مثلهم كمثل الحواس للانسان،فكلّما همّ بأمر محسوس امتثلت الحاسه لما همّ به دفعه،و عله عدم استناد هذه الأمور إلي الله تعالى أوّلا بلا توسط،هي أنّ الواجب لما كان ثابتا بسيطا مجردا غايه التجرد لا يمكن أن يصدر عنه فعل متجدد مركب مادي،فلا بد من صدور هذه الأمور المركبه المتجدده الماديه من الواسطه،هي الأفلاك التي لا تتغير و لها شعور و إراده و قدره على الفعل باذن الله،و الأمور تقع في العالم بالأسباب و الدعاء من جمله الأسباب فلا يكون الدعاء لغوا بلا فائده و العلم بطريق الإجمال حاصل للعبد بأن الدعاء من الأسباب،لان الله أمر به و لكن لنقصانه لما لم يعلم أن هذا المطلوب المخصوص هل يكون الدعاء من أسبابه أم لا،يكون بين الخوف و الرجاء و هذا التوسط هو حال المؤمن و آثار العبوديه،مع علمه بأن الدعاء و ان لم يكن من الأسباب لا يكون مضرا،يجب أن يدعو لاحتمال أن يكون من أسبابه الدعاء.

 

الإنتاجات
k