الأقسام:

لذة الدعاء و الإنقطاع

لذة الدعاء و الإنقطاع

أولئك الذين عرفوا وذاقوا لذه الدعاء وحلاوه الانقطاع من الخلق للخالق، لا يرجحون أي لذه عليها، أن الدعاء في تلك اللحظات يسمو، الى ذروه عزته وعظمته ولذته، ويغرق فيها الداعي بسعاده عامره، حيث سيرى اللطف والمدد الإلهي الخاص، وآثار الاستجابة لدعائه في نفسه (وانلني حسن النظر في ما شكوت وأذقني حلاوه الصنع فيما سألت).

ويقول العلماء، هناك فرق بين علم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين، ويضربون لذلك مثالاً، لنفرض أنه كانت هناك نار في موضع ما، فتاره تري آثار النار، من بعيد، كالدخان الذي يتصاعد منها، وبواسطته تكتشف وجود النار هناك، وهذا يعبر عنه (بعلم اليقين) وأخري تقع عينك علي النار نفسها عن كثب، وهنا ما يعبر عنه (بعين اليقين) والمشاهد أسمي من المعلوم، وثالثه أن تقترب إلي النار أكثر، إلي الحد الذي تصل فيه حرارتها إلي بدنك، وتحتويك النار، وهذا ما يسمي (حق اليقين).

فيمكن للإنسان أن يعرف الله تماماً ويؤمن بوجوده المقدس، ولكن لا يرى في حياته، آثار لطفه، وعناياته الخاصه، التي تفاض أحياناً لبعض عباده، وهذه مرحله (علم اليقين)، وأحياناً يشاهد آثار التوحيد عملياً، يدعو الله، ويستجاب دعاؤه، ويري كل ذلك، ويعتمد على الله، ويتوكل عليه في كل أعماله ولا يعتمد علي غيره، ويري آثار التوكل في حياته، فيشاهد آثار التوحيد وهذه مرحله (عين اليقين)، وتشعر هذه الفئه باللذه والسعاده، لأنها من أهل القلوب، وأهل التوكل وتبتهج من هذه الحاله، ولكن هناك مرحله أسمى، أن يرى الداعي نفسه، قد ارتبط بذات الله بصوره مباشره، بل لا يرى (الأنا)، ولا يبصر نفسه، فالفعل فعله، والصفه صفته، ويراه في كل شيء.

حين يتعلم الإنسان حرفه، أو علماً ما ويصبح طبيباً أو مهندساً مثلاً، وبعد سنين طويله، من المتاعب، والمشاق، والجهود المضنيه، حين يشاهد، لأول مره، آثار صنعته، أو عمله، كما لو عالج مريضاً، ويري نصب عينيه، أن المريض يبرأ من مرضه بسبب علاجه، يغرق هذا الشخص بالسعاده ويمتلكه الفرح، ويشعر بلذه غامره، فمن أفضل اللذات، أن يرى الإنسان بعينيه نتائج علمه، وصنعته.

فما هي حاله الإنسان، وما هو شعوره، حين يشاهد آثار إيمانه، أي يلمس المدد الإلهي الخاص به، فإنه سيشعر بالعزه، نتيجه نجاحه في طريق التوحيد، ويشعر ببهجه فائقه، تغمر أعماقه، أعذب وأسمي من اللذات جميعها، ندعوه تعالي أن يجعلنا مؤهلين لمثل هذه الألطاف الخاصه. 

وفي نهاية البحث، وبعد هذه الرحله الممتعه، مع هذه الدراسه الحافله بالآراء والنظرات العميقه - نحب أن نشير إلي بعض الآثار العملية للدعاء، بغض النظر عن الثواب، أو الاستجابه التي ينشدها الداعي من دعائه.

1- الإيحاء الذاتي:


أن الأدعيه المنصوصه، تتضمن الكثير من التعاليم الإسلامية، حول مختلف مجالات الحياه الاقتصادية، والسياسية والاجتماعية، والنفسية، وغيرها، ومن المسلمات في علم النفس والأخلاق، ما تملكه (عمليه الإيحاء الذاتي) من التأثير في دفع الإنسان إلي تمثل ما يلقن، وما يوحي به إلي نفسه، وإلي تطبيقه عملياً، ومثاله، ما يلاحظ كثيراً من تكرار فكره الشهاده والجهاد في الأدعيه، وهذا ما يؤدي إلي ترسيخ روح الشهاده والجهاد في قراء هذه الأدعيه، فإن تكرار قراءه الدعاء وتلقين النفس باستمرار، بالتعاليم الساميه التي تتضمنها الأدعية، مما يحث الإنسان علي تطبيقها عملياً في سلوكه وحياته.

2- الشعور برقابة الله:


إن الإسلام قد شجع علي الممارسات التي تزيد من توطيد الصله بين الإنسان وربه، ولعل من حكم الصلاه - تذكير الإنسان بربه، حين يؤدي هذه الوظيفه الإلهيه التي تشمل علي الدعاء في كل أجزائها، ويكررها يومياً أكثر من مره ، فإنها تؤدي إلى أن يكون أكثر شعوراً برقابه الله، في حياته، فإن من لم يمارس الممارسات والنشاطات التي تتضمن هذا الشعور المقدس، ربما يتضاءل، بل ويضمر، في نفسه، هذا الإحساس برقابه الله، نتيجه لضغط العلاقات الدنيوية والأجواء المادية التي تكشفه وتحيط به، والإحساس برقابه الله، من العوامل الفاعلة، التي لها تأثيرها الكبير في شد الإنسان بالشريعه الإلهية، ليلتزم بما يرضي الله، ومن هنا استخدم الإسلام الكثير من الأساليب، لزرع هذا الشعور المقدس في أعماق الإنسان، وترسيخه، وتعميقه، ومنها الدعاء الذي ينتشل الإنسان في بعض اللحظات ، من زحمه العلاقات الدنيوية، ليعيش في تلك اللحظات مع ربه، يناجيه، ويبتهل إليه، وبذلك يرسخ في نفسه الشعور برقابه الله، أكثر، وأكثر.

3- القدرة على الكفاح:


أن قراءة الأدعية، وقيام الليل، والمناجاة، تزيد من قدره الإنسان وتصميمه على تحمل متاعب الحياه ومصاعبها، وهنا مادلت عليه التجربه، فإن من يمارس الدعاء ممارسه فاعله، ويلهج بذكر الله دائماً، يكون أكثر اقتداراً، وأقوي إراده من غيره، ويكون متميزاً بطاقه روحيه هائله، ولعل هناك علاقه سببيه بين الشطر الأول، والشطر الثاني، من البيت التالي الذي قيل في مدح الإمام أمير المؤمنين (عليه‌السلام):

هو البكاء في المحراب ليلاً هو الضحاك إذا اشتد الضراب أي أن من يقوم به الليل، ويبكي في المحراب، ويناجي ربه في تلك الساعات. سيكون ضاحكاً في ساحات الحروب ، ولعله لهذا السبب وغيره، يؤكد الإمام الخميني علي قراءه الأدعيه، قراءه فاعله، مثمره، لاكما يفعله الغائبون عن الحياه العمليه، فيقرأ الدعاء، ليكون أكثر اقتداراً علي الكفاح والجهاد، وفي مواجهه المصاعب والعقبات التي تعترض المؤمنين العاملين في سبيل تحقيق طموحاتهم وآمالهم المقدسه.

(شيخ مرتضى المطهري)

 

 شيخ مرتضی المطهري
الإنتاجات
k