الأقسام:

شرح الدعاء الثاني من الصحيفة السجادية

وكان من دعائه بعد هذا التحميد في الصلاة على رسول الله ﷺ

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيْنَا بِمُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ دُونَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ

 

لما كان الأهم بعد الحمد»[1] الصلاة على محمّد، عقب دعاءه (بدعائه)»[2] وقال : وَالحَمدُ للهِ الَّذِي مَنَّ عَلَينا بِمُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ الله . إيراد العاطف»[3] في صدر الكلام تنبيه على أنّ هذا الدعاء من تتمة الدعاء الأول حتى كأنه من عطف مطلب على مطلب»[4]، والمراد بضمير «علينا» الأمة المرحومة ؛ بقرينة «دُونَ الأمَمِ الْماضِيَةِ»، وإنّما لم يعقل دون سائر الأنبياء» بدل «دون الأمم» تنبيهاً على أن الغرض منه ذكر مزيّة تلك الأمة على سائر الأمم، ولأن من مثل هذا الكلام يتوهم أن قائله غير راغب إلى مضمون ما هو مدخول «دون»، وعدم الرغبة بالنسبة إلى سائر الأنبياء كُفر وأما بالنسبة»[5] إلى سائر الأمم فلا يضرنا.

 

وَالْقُرُونِ السالِفَةِ بِقُدْرَتِهِ الَّتِي لا تَعْجِزُ عَنْ شَيْءٍ وَإنْ عَظم،

 

وأيضاً موهم لأن يكون الثبات والقرار مسنداً إلينا، والتزلزل إلى الرسول. (و)»[6] «القُرُون»: جمع القرن وهو ثمانون سنة، ويقال: ثلاثون سنة أيضاً، والقرن من الناس : أهل زمان واحد»[7]. و«السالفة»: من السلف بمعنى وسلف الرجل آباؤه المتقدمون، والجمع أسلاف وسلف.»[8]

و«بِقُدرَتِهِ» متعلق بقول: «مَنْ علينا»، والباء للسببية . و«عظم من العظم، وهو أعم من أن يكون من حيث الجنة ومن حيث المرتبة. و«لطف»: صغر»[9]، وذلك أيضاً أعم من الجثة[10]، والمرتبة، والمراد منه هنا الدقائق التي لا ندرك إلا بعد التأمل التام.

وفائدة هاتين الفقرتين دفع توهم يمكن أن ينشأ من الكلام السابق، وهو أن يقال: ليس الله تعالى علينا منه في جعلنا من أمة محمد دون الأمم السابقة إذ هو (فاعل)[11] موجب بترتب وجود الاشیاء علیه تعالى بشروط وعلل لابد لها من التقديم والتأخير على نحو ما تشاهد ولا يمكن التخلّف لهذا الترتيب كما هو مذهب الحكيم قارة هذا قال : «لا تَعجِزُ عَن شَيءٍ وَإِن عَظُمَ». ثم بعد تسليم قدرته تعالى كان لقائل أن تقول: فعلى هذا يلزم أن يكون الأمم السالفة محرومين عمّا فضلنا الله به عليهم[12]، ويفوت اللطف بالنسبة إليهم، فقال :

 

وَلَا يَفُوتُهَا شَيْءٌ وَإِنْ لَطْفَ ، فَخَتَمَ بِنَا عَلَى جَمِيعِ مَنْ ذَرَأَ ، وَجَعَلَنَا شُهَدَاءَ عَلَىٰ مَنْ جَحَدَ، وَكَثَّرْنَا بِمَنِّهِ عَلَى مَنْ قَلَّ.

 

«وَلا يَفوتُها شَيء» أي سـبب حرمانهم أمور لطيفة لا يدرك عقولنا[13]، وهو تعالى لم يفت دقائق حكمته التي يقتضي ذلك التقديم والتأخير. وبدل «ذرأ» في بعض النسخ[14]: «برأ»، وكلاهما بمعنى خلق، والمراد بضمير «بنا» کلّ الأمّة وبضمير «جَعَلَنا» الأئمّة - صلوات الله عليهم ، قال الباقر عليه‌السلام: «نحن الأمة الوسط، ونحن شهداء الله على خلقه، وحججه[15] في أرضه». ثم قال : «فرسول الله ﷺ الشهيد علينا ممّا بلغنا عن الله تعالى، ونحن الشهداء على النّاس، فمن صدق يوم القيامة صدّقناه ومن کذب کذّبناه.»[16] والمراد بالكثرة المستفادة من «كَثَّرَنا»[17] العزة والغلبة؛ إذ هي من لوازمها، وبالقلة في «قَلَّ» الذلة والمسكنة بقرينة المقابلة كما قال صاحب الكشاف[18] في أحد تفاسير

 

اللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ أَمِينِكَ عَلى وَحْيِكَ، وَنَجِيبِكَ مِنْ خَلْقِكَ،

 

قوله تعالى: (وَاذْكُرُوا إِذ كُنتُم قَليلاً فَكَثَّرَكُم)[19]، فلا يتوجه القول بأن أهل الباطل أكثر من أهل الحق[20].

(و) [21]«الأمين» فعيل الأمن وهو الأمانة، وبمعنى المفعول.

(و) «الوحي» لغة الكتاب، والإشارة[22]، وإطلاقه على النبي من باب إطلاق المسبب على السبب.

و «النجيب»: الكريم، يقال: رجل نجيب؛ أي كريم.[23]

وفي رواية «س»: «نجيّك»، قال الجوهري: النجي على فعيل الذي تساره والجمع: الأنجية، قال الأخفش[24]: وقد يكون النجي جماعة كما قال الله تعالى: (خَلَصُوا نَجِيّاً)[25]، وقال الفرّاء: وقد يكون النجوى والنجي اسماً ومصدراً[26]، الخ.

النجو: القصد.

 

وَصَفَتِكَ مِنْ عِبَادِكَ، إمَامِ الرَّحْمَةِ، وَقَائِدِ الْخَيْرِ، وَمِفْتَاحِ الْبَرَكَةِ، كَمَا نَصَبَ لأمْرِكَ نَفْسَهُ، وَعَرَّضَ فِيكَ لِلْمَكْرُوهِ بَدَنَهُ،

 

(و)[27] «الصفي»: فعيل من الصفوة، وصفوة الشئ: خالصه ، يقال : محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله صفوة الله من خلقه ومصطفاه.[28]

(و) «الإمام»: من الأم بمعنى القصد وهو المقتدا.

و «القائد» : من القود ، يقال : قدت الفرس وغيره أقوده قوداً[29] ، ويستعمل فيمن يأخذ يد الأعمى حتى يمشى فكونه صلى‌الله‌عليه‌وآله قائداً للخير كناية عن أن الخير بدون رضاه كالأعمى.

(و) «المفتاح»: اسم الآلة من الفتح أي هو عليه‌السلام سبب لافتتاح البركات.

وقيل في «كَما نَصَبَ» أي لما نصب، أي أتعب، وقال الجوهري: نصب الرجل بالكسر نصباً : تعب، وأنصبه غيره.[30]

فمن كلامه يظهر أن نصب غير متعدّ ما لم ينقل إلى باب الإفعال وغير ذلك من أسباب التعدية ، ولذا قال عليه‌السلام في هذا الدعاء بعيد ذلك : «وأتعبها».

فلا يبعد أن يقال : هو من النصب بالسكون، أي الإقامة والتعيين، يقال: نصبت الشيء؛ أي أقمته.

فيكون مفاد (هذا)[31] الكلام فصلّ على محمد كما أقام نفسه لأمرك .

ويدل ذلك على الإتعاب مع أنه لا حاجة لنا إلى إخراج الإتعاب منه، إذ يستقيم المعني بدونه.

وأما حمل : «كما» على التعليل : فظاهر بعده أما أولاً فلأن العلة وبيانها مع الدعاء غير مناسب، فإنّ في مرتبة الدعاء ليس للداعي مطلباً سوى الاستعانة والطلب فإظهار ما يستلزم المراد من الدليل مناف لذلك.

وأما ثانياً : فلأن ظاهر الكاف[32] التشبيه والتعليل خلاف الظاهر، فالأولى إبقاؤها بحالها حتى يكون المعنى هكذا: صلّ عليه مثل قدر تعبه ومشقته، ففي ذلك التشبيه إيماء إلى كثرة التعب وزيادة المشقة، وهذا كما يقال : أكرم زيداً كما جاءك، أي أكرمه بدون الطلب وأمثاله ، فإنّه[33] جاءك كذلك.

و «عَرَّضَ» بالتشديد من التعريض[34]، يقال : عرضت فلاناً لكذا فتعرض[35]، ويمكن أن يكون من عرضت بالتخفيف بمعنى أظهرته له وأبرزته إليه. و«في» في «فيك» وأمثاله كفي في «في هرة»، والمضاف هنا محذوف تقديره في إجراء شرائعك، هذا.

وقد ورد في الأخبار أن يكلف الله تعالى الرسول فوق التكاليف، قال أبو عبد الله عليه‌السلام: «إنّ الله تعالى كلّف رسول الله ما لم يكلّفه أحداً من خلقة كلّفه أن يخرج على الناس كلهم وحده بنفسه إن لم يجد من تقاتل[36] معه، ولم يكلف هذا أحداً من خلقه قبله ولا بعده، ثم تلا هذه الآية: ﴿فَقاتِل في سبيل اللهِ [لا تكلف] إِلَّا نَفْسَكَ )[37]. [38]

 

وَكَاشَفَ فِي الدُّعَاءِ إِلَيْكَ حَامَّتَهُ، وَحَارَبَ فِي رِضَاكَ أُسْرَتَهُ، وَقَطَعَ فِي إِحْيَاءِ دِينِكَ رَحِمَهُ، وَأَقْصَى الْأَدْنَيْنَ عَلى جُحُودِهِمْ،

«وَكاشَفَ فِي الدُّعاءِ» بمعنى أظهر العداوة بسبب الدعوة إليك أقرباه.

و «حامته» من الحمو بالتحريك ، وحماة المرأة أم زوجها، والمراد هنا مطلق الأقرباء.

أسرة الرجل : رهطه، أي قبيلته.

و «رحمه»: بمعنى ذوي الأرحام.

ثم لا يخفى عليك لطف مراعات الترتيب بين الفقرات، فإنه توجه أولاً في تبليغ أحكام الله تعالى إلى نفسه، وبعد ذلك إلى بدنه؛ تنبيهاً على أن الواعظ للغير حقيق أن يوعظ أوّلاً نفسه، فإذا اتعظت وقبلت توجه إلى وعظ غيره، وإلا فلا.

والأوّل إشارة إلى تخلية النفس عن الرذائل وتصفيتها بالكمالات، والثاني إلى تحلّي الظاهر بما ينبغي ويليق له.

وثانياً توجه إلى هداية أقاربه؛ لأنهم أقرب منزلة من أهل القبيلة، فمن أطاعه منهم فهو بمنزلة نفسه وذاته، كعلي عليه‌السلام، ومن خالفه فأمه هاوية، وهكذا وقع التوجه منه صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الأهم فالأهم حتى انتهت الدعوة إلى الأمة كافة.

«أقصى» أفعل التفضيل من قصي المكان بمعنى بعد، يقال: قصي فلان عن جوارنا ؛ أي بعد، وأقصيتُه ؛ بمعنى أبعدته.[39]

«الأدنين» من الدنو بمعنى القُرب.

وفي بعض النسخ: «على جحودهم عليه»، وهو مناسب. ولقول «لك» في فقرة مقابلها.

 

وَقَرَّبَ الْأَقْصَيْنَ عَلَى اسْتِجَابَتِهِمْ لَكَ، وَوالى فِيكَ الْأَبْعَدِينَ، وَعَادِی فِيكَ الْأَقْرَبِينَ، وَأَدْأَبَ نَفْسَهُ فِي تَبْلِيغِ رِسَالَتِكَ، وَأَتعَبَهَا بِالدُّعَاءِ إِلَى مِلَّتِكَ،

و «الأدنين» و «الأقصين» صفتا الجمع، وما قبل الياء فيهما مفتوح كما في المصطفين؛ ليدلّ على الألف المحذوفة.

ثم لا يخفى عليك ما تينك الفقرتين من بعض صنائع علم البديع، فإنّ في كل منهما صنعة الطباق، ومع ملاحظتهما معاً صنعة العكس ورعاية السجع في البين بحيث يوهم انقطاع الكلام وغير ذلك مما يطلعك عليه الوقوف بعلم البديع، وإنما لم يقل: وأدنى الأقصين حتّى يكون العكس من حيث اللفظ أيضاً حاصلاً، تصريحاً بالقرب الحاصل للأباعد، فإنّ «أدنى» لفظ مشترك بين الدنو والدناءة، وليس نصاً في القرب. والحاصل أن غرضه صلى‌الله‌عليه‌وآله لما كان طلب مرضات الله من أي شخص كان؛ لم يتوجه إلى الارتباط النسبي، بل كلّ من أقر به أقربه، ومن أنكره أبعده، إذ مناط القرب والبعد التصديق بما جاء به وعدمه.

وفقرتا «والى فِيكَ» و«عادى فِيكَ» مع تينك الفقرتين من باب اللف والنشر الغير المرتب، ومفادهما قريب من مفادهما، ولكن ظاهر الدنو والقصي القرب والبعد المكاني، فالأقصى والتقريب بالنظر إلى المكان وفي الولي والعدو ليس القرب والبعد المكاني منظوراً، فإن المحبة والعداوة من الأمور القلبية، فكذا في الأقرباء والأباعد.

«أَدأَبَ» من الدأب، قال صاحب النهاية: الدأب: العادة، والشأن.[40] كما يقال: دأبه كذا؛ أي عادته كذا.

وليس المراد منه الإتعاب؛ لأنه يستقيم المعنى بدون هذا التعب. وأيضاً يلزم أن يكون «وأتعبها» تأكيداً.

 

و شَغَلَها بِالنُّصْحَ لِأَهْلِ دَعْوَتِكَ، وَهَاجَرَ إِلى بِلادِ الْغُرْبَةِ، وَمَحَلَّ النَّأْي عَنْ مَوْطِنٍ رَحْلِهِ، وَمَوْضِعِ رِجْلِهِ، وَمَسْقَطٍ رَأْسِهِ، وَمَأْنَس نَفْسِهِ، إِرَادَةً مِنْهُ لِإعْزَازِ دِينِكَ،

وفي قول: «وَشَغَلَها بِالنُّصحِ» إشعار بأنّ المركوز في خاطره لیس غير ذلك، وتمام حواسه متوجه إلى النصح للأمة.

وقول: «هاجَرَ إِلى بِلادِ الغُربَةِ» ناظر إلى «أقصى الأدنين»، يعني سعى أولاً في موطن رحله في التبليغ بجيمع شقوقه المحتملة، فإذا رأى أنه لا يمكن الأزيد منه فيه اختار الهجرة؛ لأن يجري أحكامه تعالى، وهذا مؤيد لكون المراد من القصي والدنو القرب البعد المكاني كما قلنا.

«النأي»: البعد، يقال: ناءتَ عنه نأياً : أي بعدت.[41]

و «رحله» مع «رجله» تنجيس وسجع.

«مسقط الرأس» كناية عن البلد الذي تولّد فيه، و«المسقط» بكسر القاف وفتحها.

وفي تلك اللصفات تنبيه على كمال المشقة والجهاد مع النفس : لرواج أمر الرسالة، فإن محبة الوطن جبلي الإنسان.

«إرادَةً مِنهُ» حال عن «هاجر» يعني هجرته صلى‌الله‌عليه‌وآله من مكة إلى المدينة كانت بالاختيار والإرادة.

قال علي بن الحسين عليه‌السلام «ولم يولد لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من خديجة عليها‌السلام على فطرة الإسلام إلا فاطمة عليها‌السلام. وقد كانت خديجة ماتت قبل الهجرة بسنة، ومات أبو طالب بعد موت خديجة بسنة، فلمّا فقدهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سئم المقام بمكة، ودخله حزن شديد وأشفق على نفسه من كفار قريش، فشكا إلى جبرئيل ذلك، فأوحى الله عزوجل إليه أخرج من القرية الظالم أهلها، وهاجر إلى المدينة فليس لك اليوم ناصر وانصب للمشركين حرباً، فعند ذلك توجه رسول الله إلى المدينة.»[42]

 

وَ اسْتِتصاراً عَلَى أَهْلِ الْكُفْرِ بِكَ حَتَّى اسْتَتَبَّ لَهُ مَا حَاوَلَ فِي أَعْدَائِكَ ، وَاسْتَتَمَّ لَهُ مَا دَبَّرَ فِي أَوْلِيَائِكَ ، فَنَهَدَ إِلَيْهِمْ مُسْتَفْتِحاً بِعَوْنِكَ ، وَمُتَقَوِّياً عَلَى ضَعْفِهِ بِنَصْرِكَ ، فَغَزاهُمْ فِي عُقْرِ دِيَارِهِمْ، وَهَجَمَ عَلَيْهِمْ فِي بُحْبُوحَةٍ قَرارِهِمْ ، حَتَّى ظَهَرَ أَمْرُكَ ، وَعَلَتْ كَلِمَتُكَ ، وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ .

 

و «استب»: تهيأ واستقام، وهذا مع معطوفه ناظر إلى «إرادة» و «استنصاراً» على النشر الغير المرتب، وحذف المفعول في «حاول» و «دبّر » حتى ينتقل الذهن إلى كلّ ما يمكن أن يسند إليهم من الزلّة والعزة، أعزّة على المؤمنين أذلة على الكافرين، فالحمد الله الذي أودع الروع في قلوب أعدائه وأذهب الحزن والخوف عن أوليائه، {ألا إِنَّ أَولِياءَ اللهِ لا خَوفٌ عَلَيهِم وَلَا هُم يَحْزَنُونَ}.[43]

ولما كانت قوة الإسلام بعد الهجرة بسبب الغزوات التي استهلها بالبدن، وكلّ ذلك وقع في ديار الأعداء وبلادهم حتى يظهر منه كمال الشوكة والتسلط ، أراد عليه‌السلام أن يشير إلى تلك الغزوات وما[44] يلزمها من الشوكة والقهر للمؤمنين، والذلة والعجز على الكافرين؛[45] على نحو الإجمال، فقال عليه‌السلام : «فَنَهَدَ إِلَيهِم»، وهو بمعنى نهض أي قام إلى الأعداء طالباً للفتح والنصرة بعون الله تعالى {نَصرٌ مِنَ اللهِ وَفَتح قَرِيبٌ}[46]، وطالباً للقوة مع ضعفه بنصر الله تعالى[47] {وَلَقَد نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ}[48].

و «عَقُر» بالضم والفتح مضبوط ، فبالضم بمعنى الوسط، والمعظم ، والمؤخّر، وبالفتح بمعنى الأصل أو القصر، وكلّ بناء مرتفع ؛ على ما في الصحاح[49] ، فمن فسّره على التقديرين بالوسط والمعظم تسامح.

 

اللَّهُمَّ فَارْفَعْهُ بِمَا كَدَحَ فِيكَ إِلَى الدَّرَجَةِ الْعُلْيا مِنْ جَنَّتِكَ حَتَّى لَا يُسَاوِى فِي مَنْزِلَةٍ ، وَلَا يُكَافأ فِي مَرْتَبَةٍ ، وَلا يُوازِيَهُ لَدَيْكَ مَلَكَ مُقَرَّبُ وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ ، وَعَرَّفْهُ فِي أَهْلِهِ الطَّاهِرِينَ

 

(و)[50] «البحبوحة» : الوسط الذي كالمركز، فالأخير أخص.

وفي ذكرها بعد العقر تنبيه على أن قوة الإسلام يوماً فيوماً كانت في التزايد بحيث انتهى أمرها إلى عدم إمكان[51] خروج الأعداء من ديارهم وبيوتهم للحرب، بل للهرب أيضاً ؛ لإحاطة المسلمين تخوم الأرض وأطرافها، فإن أرادوا مفراً لا يكون فيه المسلمون فليقروا[52]، درك[53] الأسفل.

«اللَّهُمَّ فَارفَعهُ» متفرع على المذكورات جميعاً.

(و)[54] «الكدح»: السعي والعمل خيراً أو شراً .

« لا يُساوى» بصيغة[55] المجهول بقرينة «وَلا يُكافأ».

وفي نسخة «عميد»: «لا يكافى» من الناقص.

«وَلا يُوازِيَهُ» بصيغة المعلوم من الموازات وفي بعض النسخ بسكون الياء، وفي بعضها بفتحها .

«وَعَرِّفه من التعريف، أي علّمه، و«مِن حُسنِ الشَفاعَةِ» متعلق به،

 

وَأُمَّتِهِ الْمُؤْمِنِينَ ، مِنْ حُسْنِ الشَّفَاعَةِ أَجَلَّ مَا وَعَدْتَهُ، يَا نَافِذَ الْعِدَةِ، يَا وَافِيَ الْقَوْلِ ،

و«أَجَلَّ ما» عبارة عن الإجابة، فالمعنى (هكذا)[56]: أجعل إجابة شفاعته بالنسبة إلى أهل بيته الله والمؤمنين معلوماً له .

وفيه تنبيه على أن أصل شفاعته صلى‌الله‌عليه‌وآله يتحقق ويقع من غير احتياج إلى الطلب والسؤال، وإنما يطلب إجابتها.[57] ويمكن أن يراد بالشفاعة[58] شفاعة أهل البيت عليهم‌السلام والمؤمنين من الأمة العاصية كما هو المتبادر من كلمة «في».

(و)[59] قيل في تفسير «عرّفه»[60] : أي أذقه حلاوة أجلّ ما وعدته، وتمسك في ذلك بأنه تكرّر في حديث الدعاء: «عرّفني حلاوة الإجابة».

ولا يخفى ما فيه من عدم استلزام وجود لفظ الحلاوة في بعض الأدعية تقديرها فيما لم يكن مذكورة فيه، سيما إذ تم المعنى بدون التقدير، هذا.

ويمكن أن يكون من حسن الشفاعة بياناً للمقدم عليها، لظرفية حتى يكون الغرض طلب أصل الشفاعة، إما منه[61] صلى‌الله‌عليه‌وآله و بالنسبة إلى أهل البيت والمؤمنين، أو منهم بالنسبة إلى سائر الأمة العاصية ، وعلى هذا فلا تكليف في لفظ «عرّفه».

(و)[62] «النافذ» من نفذ السهم من المرمية ، يقال : رجل نافذ أمره؛ أي ماض، ومن الدال المهملة بمعنى الذهاب، والأول أنسب بالمقام.[63]

«العِدَة» والوعد يستعملان في الخير، كما أن الإيعاد والوعيد في الشر.

 

يا مُبَدِّلَ السَّيِّئَاتِ بِأَضْعَافِهَا مِنَ الْحَسَنَاتِ، إِنَّكَ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.

و «با» «بأضعافها» بمعنى مع .

و «مِنَ الحَسَناتِ» متعلّق بقوله : «يا مبدل»، والتبديل يتعدي إلى الباء، فإيراد «من» هنا إشارة إلى أنّ منشأ هذا التبديل الإحسان والتفضّل، فإنّه «ذُو الفضل العظيم».

 

----------------------------------------------

 

[1].;في هامش د: «الما كانت الطبيعة الإمكانية مجبولة بالاحتياج لازمة للافتقار بالذات بل مغراه الاحتياج إلى الغيرة لأن معناها اللا استحقاق للوجود والعدم مقتضية للحدوث ذاتا بل ... مادته ناقصة رديلة وكانت الربط بين المفيض والمفاض عليهم لحكم العقل واجباً، وبحسب جبلة الطبع لازماً اقتضت العناية الأزلية ونظام الوجود موجوداً في عالم الإمكان والمواد مربوطاً بواجب الوجود غير ناقص على حدهم ولا نازل في مرتبتهم بل له جهة واجبة كاملة أو صفات تامة، ولذا ورد عنهم : انزلونا عن مرتبة الربوبية وقولوا فينا ما شئتم ، فمن جهته الواجبة بأخذه من الواجب تعالى ومن الطرف الإمكانية تفيض على الممكنات ما أخذ، ولذا لابد من نبي في كل عصر ووصي في كل قرن، والكل محتاجون إلى نبينا : لأنها واسطة فيض الكل وأشرف الممكنات وأكمل الموجوات، ولذا وجب بعد الحمد لله تعالى ذكره ونعته ليكون أتم والشكر أكمل، والسلام».

[2]من «أ» وحده.

[3]د: «إيراد الواو العاطفة».

[4]د: «حتى كأنه من عطف جملة على جملة».

[5]د: «بالنظر» بدل «بالنسبة».

[6]من د.

[7]صحاح اللغة: ج 6، ص ۲۱۸۰ (قرن).

[8]صحاح اللغة : ج ٤. ص ١٣٧٦ (سلف).

[9]النهاية : ج ٤. لص ٢٥١ (لطف).

[10]د: «ولطف معناه اللغوي صغر، وذلك أيضاً يكون من حيث الجثة».

[11]من د.

[12]د: « عليهم به».

[13]د: «لا يصل عقولنا إلى إدراكها».

[14]د: « وفي بعض النسخ بدل ذرأ».

[15]المثبت من المصدر، وفي الأصل: «محبه»!

[16]رواه الكليني في الكافي : ج ۱ ص ۱۹۱ باب في أن الأئمة شهداء الله على خلقه ح ٤. ورواه أيضاً في ص ۱۹۰ ح ۲ بإسناده عن الصادق عليه‌السلام.

[17]د: «والمراد بالكثرة في كثّرنا».

[18]صاحب الكشاف هو محمود بن عمر بن محمد الزمخشري الخوارزمي المعتزلي ، محدث، متكلم، نحوي لغوي، بياني، أديب، ناظم ، ناثر، مشارك في عدة علوم، ولد في زمخشر من قرى خوارزم وإليه ينسب ، وسافر إلى مكة وجاور بها زماناً ولقّب جار الله، ثم رجع إلى جرجانية خوارزم وتوفّي بها سنة ٥٣٨، ممن مصنّفاته الكثيرة: أساس البلاغة، الأنموذج. أطواق الذهب، أعجب العجب في شرح لامية العرب، ربيع الأبرار، الكشاف عن حقائق التأويل، المفصل في صنعة الإعراب (الأنساب للسمعاني : ج 3 ص ١٦٣ - ١٦٤ ، سير أعلام النبلاء : ج ٢٠ ص ١٥١ - ١٥٦ (٩١). معجم المؤلفين : ج ١٢ ص ١٨٦ ، الكنى والألقاب للقمي : ج ۲ ص ٢٩٨ - ٣٠٠. الأعلام للزركلي : ج ۷ ص ۱۷۸).

[19]الأعراف (۷): ٨٦ وكلام الزمخشري في الكشاف، ج ۲، ص ٩٤.

[20]د: «فلا يتوجه القول بأن المخالف أكثر من الشيعة».

[21]21. من د، وكذا التالي.

[22]صحاح اللغة : ج ٦، ص ٢٥١٩ (وحي).

[23]مختار الصحاح ، ص ۳۳۱ (ن ج ب).

[24]الأخفش بفتح الألف وسكون الخاء وفتح الفاء في آخرها شين معجمة ، معناه صغير العين مع سوء بصر فيها تشبهاً بالخفاش يطلق على ثلاثة من كبار علماء النحو: الأول : أبو الخطاب عيد الحميد بن عبد المجيد الأخفش الأكبر، أخذ عنه سيبويه وأبو عبيدة ، مات سنة ١٧٧هـ، والثاني : أبو الحسن سعيد بن مسعدة المجاشعي البلخي النحوى الأخفش ، سكن البصرة وأخذ النحو عن سيبويه ، وأخذ أيضاً عن خليل بن أحمد ، له مصنفات. منها معاني القرآن مات سنة ٢١٥ هـ، والثالث : أبو الحسن علي بن سليمان بن الفضل البغدادي ، روى عن ثعلب والمبرد مات سنة ٣١٥ ـ ببغداد، وإذا أطلق الأخفش فهو الأوسط، وهو أعلمهم وأعرفهم. الأنساب للسمعاني : ج ۱ ص ٩٥-٩٦، الكنى والألقاب: ج ۲ ص ١٦-١٧، معجم المؤلفين : ج ٤ ص ٢٣١ وج ٧ ص ١٠٤ الأعلام : ج ٣ ص ۱۰۱ - ۱۰۲ وص ۲۸۸ وج ٤ ص ۲۹1).

[25]يوسف (۱۲): ۸۰ .

[26]صحاح اللغة : ج ٢، ص ٢٥٠2 - ٢٥٠٣، مختار الصحاح : ص ۳۳۲ .

[27]27 . من د، وكذا تالييه.

[28]صحاح اللغة : ج ٦ . ص ٢٤٠١ (صفا).

[29]صحاح اللغة : ج ۲، ص ٥٢٨ (قود).

[30]صحاح اللغة : ج ۱ ص ۲۲۵.

[31]من د.

[32]د: «فلان الظاهر في الكاف».

[33]د : « كما» بدل «فإنه».

[34]من هنا إلى قوله بعد صفحات: «إلى تلك الغزوات وما يلزمها» سقط من نسخة د.

[35]صحاح اللغة : ج ۳، ص ۱۰۸۷ (عرض).

[36]المثبت من المصدر وفيه بدل «من»: «فئة»، وفي النسخ: «يقابل»!

[37]النساء (٤): ٨٣ .

[38]الكافي : ج 8، ص ٢٧٤ - ٢٧٥، ح ٤١٤، وما بين الحاصرتين منه.

[39]صحاح اللغة : ج ٦، ص ٢٤٦٢ (قصا).

[41]النهاية : ج ۲ ص ٩٥ دأب».

[40]صحاح اللغة، ج ٦، ص ٢٤٩٩ (نأي).

[42]رواه الكليني في الكافي : ج ١ ص ٣٤٠-٣٤١ ج ٥٣٦ والحديث طويل.

[43]يونس (١٠): ٦٢ .

[44]من قوله : «وعرض بالتشديد من التعريض» قبل صفحات إلى هنا ساقطة من نسخة د.

[45]: «للكافرين».

[46]الصف (٦١): ١٣ .

[47]مابين القوسين من د.

[48]التوبة (٩): ٢٥ .

[49]صحاح اللغة : ج ۲ ص ٧٥٥.

[50]من د.

[51]د: «عدم تمكن».

[52]د: «فهو» بدل «فليقروا».

[53]ب: «دراك».

[54]من د.

[55]ب: «على صيغة».

[56]من د.

[57]د : «يتحقق ويقع ليست محتاجة إلى الطلب، بل إنما نطلب إجابتها».

[58]د: «أن يكون المراد بالشفاعة».

[59]من د.

[60]د: «وعرفه».

[61]د: «منه تعالى.

[62]من د.

[63]د: «بالمقام أنفذ».

 

 

الإنتاجات
k