الأقسام:

شرح الدعاء الثالث من الصحیفة السجادية

وَ كَانَ مِنْ دُعَائِهِ عليه‌السلام فِي الصّلَاةِ عَلَى حَمَلَةِ الْعَرْشِ وَ كُلّ مَلَكٍ مُقَرّبٍ

كما أن الصلاة على النبي الأمين وآله الغر الميامين من مفيضات سواقي رحمة ربّ العالمين كذلك الصلاة على ملائكته المقربين على قبول الدعاء خير معين؛ لتمسكهم بالحبل المتين، وملازمتهم للطاعة ببلوغ درجة اليقين وتنزههم عن غواية الشيطان اللعين فهم خير وسيلة بعد الحاوي مراتب الفضل والفضيلة لطالب المواهب الجليلة مع كثرة تقصيره على أعماله القليلة لعلّ الله سبحانه بفضله يـنيـلـه مـا لم يدرك إلا بهدایته سبيله.

 

الدعاء: اللَّهُمَّ وَحَمَلَةُ عَرْشِكَ[1] الَّذِينَ لا يَفْتَرُونَ مِنْ تَسْبِيحِكَ، وَلَا يَسْتَمُونَ مِنْ تَقْدِيسِكَ، وَلا يَسْتَحْسِرُونَ مِنْ عِبَادَتِكَ، وَلا يُؤْثِرُونَ التَّقْصِيرَ عَلَى الجِدِّ فِي أَمْرِكَ، وَلا يَغْفَلُونَ عَنِ الوَلَهِ إِلَيْكَ، وَإِسْرافِيلُ صَاحِبُ الصُّورِ الشَّاخِصِ الَّذِي يَنتَظِرُ مِنْكَ الإِذْنَ وَحُلُولَ الْأَمْرِ فَيُنَبِّهُ بِالنَّفْخَةِ صَرْعى رَهَائِنِ القُبُورِ، وَمِيكَائِيلُ ذُو الجَاهِ عِنْدَكَ وَالْمَكَانِ الرَّفِيعِ مِنْ طَاعَتِكَ، وَجِبْرَئِيلُ الْأَمِينُ عَلَى وَحْيِكَ المُطَاعُ فِي أَهْـلِ سَماواتِكَ المَكِينُ لَدَيْكَ المُقَرَّبُ عِنْدَكَ ، وَالرُّوحُ الَّذِي عَلَى مَلائِكَةِ الحُجُبِ وَالرُّوحُ الَّذِي هُوَ مِنْ أَمْرِك.

 

اللغة: العرش والعريش لغة: كلّ ما يستظل به من سقف وغيره، وهو سبحانه وتعالى لتنزهه عن المكان وتقدّسه عن الاحتياج والنقصان وهو الحامل في البر والبحر المظهر من صنعه للهدى جليلاً، والذي لا تحيط العقول بجليل صنعه والممسك للسماوات والأرض أن تزولا، والذي مع عدم تناهي ما آتانا من الهدى والبينات لم يوتنا من العلم إلا قليلاً فعرشه محمول علينا كما قال سبحانه «وَيَحمِلُ عَرَضَ رَبِّكَ فَوقَهُم يَومَئِذٍ ثَمَانِيةٌ»[2] ، وخبر[3] خلقه من الأنوار لا يحاط بما تضمنه من الأسرار؛ فليس علينا إلا التصديق للفوز برضاه وثوابه في جنة قطوفها دانية.

و«فتر»، يفتر ويفتر بفتح التاء وكسرها فتوراً سكن بعد حدة ولان بعد شدة وسبح تسبيحاً قال سبحان الله وهو تنزيه الله من الصاحبة والولد، معرفة وتُصب على المصدر ومعناه: أبرى الله من السوء براءة؛ أو معناه: السرعة إليه والخفة في طاعته، وسنم الشيء؛ وسنم منه كفرح، و«القدّوس»: من أسماء الله تعالى و«التقديس»: التطهير، و«حسر» كضرب وفرح أعيا، وقيل: «يستحسرون» أي ينقطعون عن العبادة، و«الوله»: التحيّر من شدّة الوجل؛ وولهت الناقة إلى ولدها تحيرت عند فقدها له، و«إسرافيل» بكسر الهمزة اسم ملك، و«الصور» هو القرن الذي ينفخ فيه عند بعث الموتى إلى المحشر؛ وقيل: جمع صورة يريد صور الموتى ينفخ فيها الأرواح.

و شخوص البصر»: ارتفاع الأجفان إلى فوق وتحديد النظر وانزعاجه و«الصرع»: الطرح على الأرض، وأرهنه القبر ضمه إياه والرهائن جمع رهينة و «میکائیل» بكسر الميم، و «جبرئيل» أي عبد الله بالهمز وبلا همز ساكن الیاء ومفتوحها وبيائين وبالنون ساكن الياء ومكسورها ، و«الروح» أعظم الملائكة بعد حملة العرش، وعن الصادق في قوله تعالى «وكَذَلِكَ أُوحَيْنَا إِليكَ رُوحاً مَنْ أمرنا»[4] قال: «خلق من خلق الله عزوجل أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول الله الله يخبره ويسدّده وهو مع الأئمة من بعده»[5]

 

الإعراب: «اللهم منادى محذوف منه حرف النداء وجوباً إما لعدم الجمع بين العوض والمعوض أو لاستعماله كذلك مجاناً، والواو في «وحملة» المضاف إلى عرشك «واو» الاستئناف وهو مبتدأ والخبر محذوف تقديره: «مننت علينا بهم» أو «نحمدك على منك علينا بهم» أو «نقر بحقهم ومرتبتهم» أو «أتوسل بهم إليك» وأمثال ذلك، أو الخبر «فصل عليهم» وإعادة «اللّهمّ» لطول الفصل بينهما بالتوابع، والمانع من كون «الذين» خبراً بقاء الروح» بلا خبر، و«الذين» في محلّ رفع على أنه نعت «حملة». والنعت بالموصول لكونه مع الصلة في تأويل المشتق، وجملة «لا يفترون» صلة وعائد، و«من» في «من تسبيحك» الأنسب كونها للتعليل، ويمكن مرادفتها لـ«عن» كما هو أحد الوجوه في قوله تعالى: «فَوَيلٌ لِلقاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِنْ ذِكرِ اللهِ»[6] أو للابتداء متعلّقة بـ«يفترون».

 

و«من» في «من عبادتك» بمعنى «عن» إن كان الانحسار بمعنى الانقطاع وإلا فكالتي قبلها، و«التقصير» منصوب على أنه مفعول «يؤثرون»، و«على الجد» متعلق بـ«يؤثرون»، و«في أمرك» متعلق بالجد، و«إليك» متعلق بـ«الوله» المجرور بـ«عن» المتعلقة بـ«يغفلون»، الداخل عليه لا الزائدة بعد الواو العاطفة له على الفعل المنفي قبله به فالنفي به لا بها، و«إسرافيل» بالرفع معطوف على «حملة»، و«صاحب» المضاف إلى «الصور» المجرور بالإضافة مرفوع على أنه نعته، ومثله «الشاخص» بالرفع، و«الذي» ولولا ضبطه الجاز نصبه بالقطع ، وجملة ينتظر» صلة الموصول، و«منك» يجوز تعلقه به وبالإذن، المنصوب على المفعولية لينتظر، و«حلول» بالنصب المضاف إلى «الأمر» المجرور بالإضافة معطوف على «الأذن»، والقاء في «فينيه» للتعقيب ولا ينافيه سببية «الإذن»، ولو جعلناها لها احتمل التراخي لاحتمال عدم التمامية في العلية والقرائن الخارجية على عدم ذلك جلية من الأخبار المروية من طرق الاثني عشرية[7].

 

و«بالنفخة» متعلق بينبه المرفوع لتجرده من الناصب والجازم الناصب لـ«صرعى» على المفعولية، وهو مقدر الإعراب لكونه مقصوراً مضاف إلى «رهائن» المضافة إلى «القبور»، فهما مجروران بالإضافة ، و«ميكائيل» بالرفع معطوف بالواو على «إسرافيل»، و«ذو» مرفوع بالواو مضاف إلى «الجاه» العامل في الظرف بعده، وإضافته لازمة نعت لما قبله و«المكان» بالجرّ معطوف على «الجاه»، و«الرفيع» بالجر نسعته. و«من» في «من طاعتك» للتعليل متعلّقة بالرفيع أو بـ «ذو»؛ لأنها بمعنى صاحب و«جبريل» بالرفع كما تقدّم، و«الأمين» نعته و «على» الجارة لوحي المضاف إلى الضمير متعلقة به، و«المطاع» نعت ثان والجاز بعده. متعلق به ومثله ما بعده و«الروح» بالرفع عطف على جبريل»، والموصول نعته وهو مبتدأ، والمانع من كونه فصلاً اشتراطهم فيما قبله كونه مبتدأ في الحال أو في الأصل، والجاز بعده الخبر. والجملة صلة.

 

المعنى: اللهم إنا تقربنا إليك في استجابة الدعاء حين مددنا إليك أعناق الرجاء بالتوسل بنبيك وآله صلوات الله عليهم، وقدمنا أمام طلبتنا رفع صلواتك إليهم؛ لعلمنا بأنهم نخبة العباد، وبهم تُحيي[8] ميت البلاد، لما خصصتهم به من رفيع الرتب، وجعلتهم لنيل هداك دليلاً به الوصول وجب. وحَمَلة عرشك الذين لا يفترون بما حملتهم من أمانتك لما اتخذوه معيناً على ما أسعدتهم به من تسبيحك، ولا يسلمون من رعاية رضاك بما آتيتهم من هدايتك لانشراح صدورهم من تقديسك، ولا يستحسرون لما يفيض عليهم من سواقي عذب طاعتك، ولا ينقطعون من عبادتك إلى ما يغيضك، ولا يؤثرون التقصير بارتكاب مناهيك على الجد في أمرك لما ألهموا من المعرفة بحقك وتوحيدك، ولا يغفلون عن الوله إليك لشدّة شوقهم إلى رضاك ونوالك وتشريفك. وإسرافيل صاحب الصور الذي ينفخ فيه إذا تدانت للبعث الأمور وأيقن المقصرون الغافلون بيوم الحساب وأهوال النشور الشاخص الذي ينتظر منك الإذن وحلول الأمر فينبه بالنفخة صرعى رهائن القبور يوم ينفخ في الصور، وميكائيل ذو الجاه الرفيع عندك اللائق للتكليف بالأمور العظام، والمكان الرفيع من طاعتك بالمسارعة إلى أوامرك للرحمة أو للانتقام.[9] وجبريل الأمين على وحيك لتبليغه لرسلك الكرام المطاع في أهل سماواتك لما خصصته من مزيد العزّ والاحترام، المكين لديك في رفع الشفاعة[10] إليك، المقرب عندك، فلا يحتاج إلا إلى إذنك في توسله إليك، والروح الذي هو بأمرك قائم على ملائكة الحجب يوقفهم على السداد معتمداً عليك، والروح الذي هو من أمرك المؤيد لرسولك في جميع الأحوال، والمسدد لآله الطاهرين في كل فعل ومقال.

 

الدعاء: اللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَيْهِمْ وَعَلَى المَلَائِكَةِ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِمْ مِنْ سُكَـانِ سَمَاواتِكَ، وَأَهْلِ الْأَمَانَةِ عَلَى رِسَالَاتِكَ، وَالَّذِينَ لَا تَدْخُلُهُمْ سَآمَةٌ مِنْ دُزُوبٍ، وَلَا إِعْيَاءٌ مِنْ لُغُوبٍ وَلَا فُتُورٌ، وَلَا تَشْغُلُهُمْ مِنْ تَسْبِيحِكَ الشَّهَوَاتُ، وَلَا يَقْطَعُهُمْ سَهْرُ الغَفَلاتِ الخُشَعُ الأَبْصَارِ فَلا يَرُومُونَ النَّظَرَ إِلَيْكَ، النَّواكِسُ الْأَذْقَانِ الَّذِينَ قَـدْ طالَتْ رَغْبَتُهُمْ فِيمَا لَدَيْكَ المُسْتَهْتِرُونَ بِذِكْرِ الأَئِكَ، وَالمَوَاضِعُونَ دُونَ عَظَمَتِكَ وَجَلالِ كِبْرِيَائِكَ، وَالَّذِينَ يَقُولُونَ إِذا نَظَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ تَزْفَرُ عَلَى أَهْلِ مَعْصِيَتِكَ سُبْحانَكَ مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبادَتِكَ .

 

اللغة: «الدؤوب» مصدر دأب كمنع أي جد وتعب، و«لغب» لغباً ولغوباً ولغوباً كمَنَعَ وسَمِعَ وَكرم: أعيا أشدّ الإعياء، و«الفتور»: السكون بعد الحدة، واشتهاه وتَشَهاه: أحبه ورغب فيه؛ و«الشهوة»: ما يشتهي؛ جمعه شهوات، و«الخشوع»: الخضوع أو هو في البدن والخشوع في الصوت والبصر، «الناكس»: المتطأطئ رأسه جمعه نواكس و«المستهتر بالشيء»: المولع به وزفرت النار» سُمعَ لِتَوَقُدِها صوت.

 

الإعراب: «الفاء» في «فصل» رابطة أو عاطفة أو زائدة كما تقدم، وعلى تقدير كون الجملة خبراً فالفاء رابطة، و«الذين» في محلّ جرّ على أنها نعت «الملائكة» المجرورة بـ«على»، والظرف معطوف بالواو على ما قبله المتعلق بـ«صل»، و«من دونهم صلة الموصول و «من» هنا على قول الجمهور لابتداء الغاية[11] كالتي في «قبل» و«بعد»، وعلى القول بعدم الاشتراط في الزيادة يمكن زيادتها، و«من» في «من سكان» إما للابتداء فالمجرور بدل بعض وأعيد الجاز وإما لبيان الجنس، فالظرف حال.

 

و«أهل» بالجز معطوف على «سكان والعطف تفسيري مضاف إلى «الأمانة» المجرورة بالإضافة، و«على» الجارّة للرسالة المضافة إلى الكاف متعلقة بها، و«الذين» معطوف على «الذين قبله، فيكون نعتاً ثانياً للملائكة، والجملة بعده[12] الصلة والضمير الذي هو المفعول عائد، و «سامة» الفاعل، و«من دؤوب» متعلق بتدخلهم. ولولا خشية تخصيص السامة المفهم لثبوتها في الجملة لصح كون الجاز نعتاً للسامة. وعلى نسخة ابن إدريس سامة بالمد.

 

و«إعياء» بالرفع معطوف عليه، و «فتور» بالرفع معطوف على «إعياء» وعلى نسخة ابن إدريس بالجرّ معطوف على «الغوب»، و«عن تسبيحك» متعلق بـ«يشغلهم»، و«الشهوات» مرفوع على الفاعلية، و«الخشع» بالرفع نعت آخر للملائكة، مقطوع عنه فهو خبر مبتدأ محذوف، وحيث كانت الإضافة لفظية والمضاف إليه معرفاً باللام جاز تعريف المضاف بها، والفاء في فلا يرومون» للسببية أو رابطة على تقدير الشرط وأداته لأجل تصحيح الكلام، فهي كالتي في قوله تعالى: «الزانية والزانِي فَاجلِدُوا»[13] على أحد القولين، والتي في «الذي يأتيني فله درهم» إلا أن المبتدأ هناك سدّ مسدّ الشرط وهنا الجملة، ولو ثبت مجيء الفاء للاستئناف كالتي : قوله « يريد أن يعربه فيعجمه احتملت ذلك وكان أولى من تقديرها رابطة للـ.. من الحذف مع تقارب المعنيين، فيكون التقدير: «فهم لا يرومون». ولا يضر امتناع العطف في المثال للزوم التناقض؛ لأنّ الورود بطريق الوجوب لا ينافي الورود بطريق الجواز.

 

و«إليك» متعلّق بالنظر المنصوب على المفعولية، و«النواكس» وما بعده من النعوت كالخشع مضاف إلى «الأذقان» أو إلى «الأعناق» على نسخة ابن إدريس، و«الذين» في محلّ رفع على أنه نعت النواكس وإن جاز جرّه بتبعية الأذقان على تجوز، و«بذكر» المضاف إلى «الآلاء» متعلّق بالمستهترون و دون» متعلق بالمتواضعون، ورفعها بالواو، و«إذا» ظرف مضمّن معنى الشرط متعلّق بـ يقولون»؛ لأنه جواب في المعنى، والجملة بعدها شرط، والجواب محذوف لدلالة ما قبله عليه و«نزفر» فعل مضارع مرفوع، و«على» الجاز لأهل المضاف إلى «معصية» المجرورة بالإضافة المضافة إلى الضمير متعلّقة بالفعل قبلها، و«سبحانك» مصدر منصوب ساد مسدّ فعله، و«ما» نافية، و«عبدناك» فعل وفاعل ومفعول و «حق» منصوب على المصدر مضاف إلى ما بعده إضافة الصفة إلى الموصوف

 

المعنى: اللهم هؤلاء من عبادك المخلصين الذين ترضى عمن توسل بهم بعد نبيك الأمين، فصلّ عليهم صلاة تنفعنا بها يوم الدين وتوصلنا بها في الحياة الدنيا إلى عين اليقين وعلى الملائكة الذين من دونهم في هذا الشرف المبين؛ فإنّ فضلك لا يحصيه عد العادين من سكان سماواتك الموكلين على ما استحفظتهم عليه من صنعك المتين، وأهل الأمانة على رسالاتك إلى أنبيائك المرسلين، والذين لا تدخلهم سامة من دؤوب في عبادتك، ولا إعياء من لغوب إذا أجهدوا نفوسهم في طاعتك، ولا فتور إذا جدوا في أوامرك ونواهيك؛ لما آتيتهم من أنوار هدايتك، ولا تشغلهم عن تسبيحك الشهوات؛ لما نزهتهم عنه لبلوغهم أعلى الدرجات، ولا يقطعهم سهو الغفلات عن السير إلى مرضاتك بتتابع العبادات الخشع الأبصار لما أظهرت عليهم من عظيم الأسرار، ومنحتهم من صحيح الأنظار، فلا يرومون النظر إليك لعلمهم[14] بامتناع ذلك عليك، النواكس الأذقان بوقوفهم موقف المطيع بين يديك، الذيـن قــد طالت رغبتهم فيما لديك المستهترون بذكر آلانك لسرورهم بعظيم عطائك. والمتواضعون دون عظمتك وجلال كبريائك، بطول الخضوع في عبادتك شكراً للذيذ بلائك، والذين يقولون إقراراً بعظيم نعمك، وشكراً على وافي كرمك إذا نظروا إلى جهنم تزفر على أهل معصيتك مع ما مننت عليهم من الهداية، وغوايتهم عن سنن رحمتك الشاملة مع التقصير عن اللائق بعظمتك سبحانك ما عبدناك حق عبادتك فليس إلا بكرمك ما منحتنا من جنّتك، وأوليتنا من نعمتك، فكيف نشكرك بألسنتنا[15] في هذا القصور على الفرح بمثل هذه العطية والسرور ؟!

 

الدعاء: فَصَلِّ عَلَيْهِمْ وَعَلَى الرَّوْحَانِيّينَ  مِنْ مَلائِكَتِكَ وَأَهْلِ الزُّلْفَةِ عِنْدَكَ، وَحمَالِ الغَيْبِ إِلى رُسُلِكَ، وَالمُؤْتَمَنِينَ عَلَى وَحْيِكَ، وَقَبَائِلِ المَلَائِكَةِ الَّذِينَ اختصَصْتَهُمْ لِنَفْسِكَ، وَأَغْنَيْتَهُمْ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ بِتَقْدِيسِكَ، وَأَسْكَنتَهُمْ بُطُونَ أَطْباقِ سَمَاواتِكَ، وَالَّذِينَ عَلَى أَرْجَائِهَا إِذَا نَزَلَ الْأَمْرُ بِتَمَامِ وَعْدِكَ، وَخُزَانِ المَطَرِ وَزَواجِرِ السَّحَابِ وَالَّذِي بِصَوْتِ رَعْدِهِ يُسْمَعُ زَجَلُ الرُّعُودِ، وَإِذَا سَبَحَتْ بِهِ حَقِيقَةٌ السَّحَابِ التَمَعَتْ صَوَاعِقُ البُرُوقِ، وَمُسَيِّعِي التَّلْحِ وَالبَرَدِ، وَالهَا بِطِينَ مَعَ قَطْرِ المَطَر إِذَا نَزَلَ، وَالقُوَّامُ عَلَى خَزائِنِ الرِّيَاحِ، وَالمُوَكَّلِينَ بِالْجِبَالِ فَلَا تَزُولُ .

 

اللغة: «الروحاني» بالضم ما فيه الروح وفي النهاية: «الملائكة الروحانيون يروى بضم الراء وفتحها؛ لأنه نسب[16] إلى الرُّوح أو الروح: وهو نسيم الريح، والألف والنون من زيادات النسب، ويريد (به)[17] أنهم أجسام لطيفة لا يدركها البصر.[18] و«الزلفة»: القربة والمنزلة، و«الغيب»: كلّ ما غاب عن العيون سواء كان محصلاً في القلوب أو غير محصل، و«القبيلة»: واحد قبائل الرأس للقطع المتشعب بعضها إلى بعض، ومنه قبائل العرب، واحدهم (قبيلة، وهم)[19] بنو أب واحد، ومنه قبائل الملائكة للأصناف المتميزين بالأوامر وما وكلوا به، و«الأطباق»: جمع طبق وهـو غطاء كل شيء؛ ومن كلّ شيء ما ساواه والسماوات طباق أي متطابقة. أطباق السماوات بالنظر إلى كل سماء سماء، و«الرجاء» يقصر ويمد ناحية الموضع جمعه أرجاء. و«الزجل» بالتحريك: (رفع)[20] الصوت وزجله وبه رماه ودفعه؛ فالمسموع صوتها أو دفعها أي صوته على حذف المضاف و«الرعد»: صوت السحاب، وجمعه ينافي كونه اسم ملك يسوقه.

 

و «سَبَحَ» بالنهر؛ وفيه - كمنع - سبحاً وسباحة و«السابحات»: السفن أو أرواح المؤمنين؛ أو النجوم و «السوابح»: الخيل؛ وسَبْح الفرس: جريه، وسبح تسبيحاً: قال سبحان الله وحفيف الفرس: دوي جريه وكذلك جناح الطائر، والمخراق الذي بيد الملك سائق السحاب يسمّى صاعقاً، ولا يأتي على شيء إلا أحرقه؛ أو نار تسقط من السماء

 

الإعراب: جملة «فصل عليهم إما خبر «الذين» في قوله : «والذين لا تدخلهم» إن لم تجعل الواو عاطفة وإلا فخبر مبتدأ محذوف أو جواب شرط يدل عليه ما قبله، و«الروحانيين» مجرور بـ«على»، والباء فيه نائبة عن الكسرة، و«من» البيان الجنس جارة لملائكة المضافة إلى الضمير الراجع إليه سبحانه، والجار والمجرور في محلّ نصب على الحالية باعتبار تعريف ما قبله أو جرّ على أنه نعت «الروحانيين»؛ لأنّ المعرف الجنسي كالنكرة، و«أهل بالجرّ على العطف على المجرور قبله بـ«على» مضاف إلى «الزلفة» وهي مجرورة بالإضافة. و «عندك» متعلق بها، وقد أجازوا تعلق الجار بـ «اسم الله» وبـ «حاتم» في فلان حاتم في قومه» وقوله تعالى: «وهو الله في السموات وفي الأرض»[21] لما في المثال من معنى الجود وفي الآية من معنى هـو المعبود.

 

و«إلى رسلك» متعلق بحمال المجرور بالعطف على ما قبله المضاف إلى «الغيب» المجرور بالإضافة، وعلى وحيك» متعلق بالمؤتمنين المجرور بالياء نيابة عن الكسرة و«الذين نعت للقبائل المجرور بالعطف على ما قبله المضاف إلى «الملائكة»، وجملة اختصصتهم من الفعل والفاعل والمفعول صلة الموصول. و«لنفك» متعلق به وعن الطعام» متعلق بأغنيتهم، و«الشراب» معطوف عليه، و«الباء» في «بتقديسك» للسببية أو المصاحبة أو المقابلة كالتي في قوله تعالى: «ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون»[22].

 

و«أسكنتهم» فعل وفاعل ومفعول أوّل وهو الضمير الغائب؛ لأنه الفاعل في المعنى و «بطون» المضاف إلى «أطباق المجرور بالإضافة المضاف إلى «سماوات» المضافة إلى الضمير الراجع إليه تعالى منصوب على أنه المفعول الثاني، و«الذين» في محلّ جرّ على العطف على «قبائل»، و«على أرجاء» الجار والمجرور المضاف إلى ضمير السماوات صلة الموصول، و«إذا» ظرف مضمن معنى الشرط والعامل فيه عامل الظرف قبله على القول بتعلقها بالجواب؛ لأنه الجواب في المعنى أو «نزل» على القول بتعلقها بالشرط[23]، و«الأمر » فاعل «نزل»، والجاز في «بتمام» متعلق بالفعل أو بالفاعل.

 

و «خزان» بالجر عطف على الموصول قبله مضاف إلى «المطر»، ومثله «وزواجر السحاب» وبصوت المضاف إلى زجره» متعلق بـ «يسمع» المبني للمفعول، و«زجل» المضاف إلى «الرعود مرفوع على أنه نائب الفاعل، والجملة صلة الموصول و «حفيفة» المضافة إلى «السحاب» فاعل «سبحت»، والجملة شرط «إذا»، وجملة «التمعت» جوابها، ومشيعي» مجرور بالياء لعطفه على المجرور قبله سقطت نونه لإضافته إلى «الثلج» المجرور بالإضافة، و«البرد» بالجرّ معطوف عليه و «مع» المضاف إلى «قطر» المضاف إلى «المطر» متعلّق بالهابطين، و«إذا» إما شرطية فجوابها محذوف يدل ما قبله عليه أو مجرّدة عن معنى الشرط معمولة لاسم الفاعل قبلها، و«بالجبال» جار ومجرور متعلّق بالموكلين، المعطوف و «الفاء» في «فلا تزول» رابطة أو للاستئناف كما تقدم، و«لا» نافية، وتزول» مضارع مرفوع.

 

المعنى: وحيث عرفناهم بالإخلاص في عبوديتك، والإقرار بالتقصير عما يليق بربوبيتك، فصلّ عليهم صلاة تزيدنا بها نفعاً، فتكون عن كل ضلال وقاية وعن كلّ مكروه دفعاً، وعلى الروحانيين من ملائكتك الذين لا يلهيهم عن عبادتك عوائق[24] الأجسام، وأهل الزلفة عندك الذين لا تزيلهم عن مراتبهم حوادث الأيام، وحمّال الغيب إلى رسلك الكرام المهتدين الهادين بما آتيتهم مهدي الأنام، والمؤتمنين على وحيك حتى تأمرهم بالتبليغ فيؤدونه بالقول الصادق والكلام البليغ، وقبائل الملائكة الذين اختصصتهم لنفسك، فلا يشتغلون إلا بتسبيحك، وأغنيتهم من[25] الطعام والشراب بتقديسك، فلا يهمهم تحصيل قوت ولا يلهيهم عن تهليلك، وأسكنتهم بطون أطباق سماواتك وما أمرتهم إلا بفرائضك وعباداتك، والذين على أرجائها إذا نزل الأمر بتمام وعدك، فهم قيام ينتظرون. وخزان المطر وزواجر السحاب إلى الذين على عبادتك برزقك يقتدرون، والذي بصوت زجره[26] يسمع زجل الرعود فينبه من امتحن الله قلبه للإيمان بيومه الموعود وإذا سبحت[27] حفيفة السحاب التمعت صواعق البروق فكانت من آياتك على عظيم قدرتك التي فاضت مواهبها على المخلوق ومشيعي الثلج والبرد حتى تصيب برحمتك من تشاء من العباد والهابطين مع قطر المطر إذا نزل لتحيي به ميت البلاد، وتبعد بعظيم رحمتك عن الضرر والفساد والقوام على خزائن الرياح فلا تتعدى بدون أمرك الصلاح، والموكلين بالجبال فلا تزول وفي بلوغ هذه الحكم تاهت العقول، وما اهتدت إلا بالصريح من صحيح المنقول.

 

الدعاء: وَالَّذِينَ عَرَّفْتَهُمْ مَثاقِيلَ المِيَاهِ ، وَكَيْلَ مَا تَحْوِيهِ لَواعِجُ الْأَمْطَارِ وَعَوالِجُهَا، وَرُسُلِكَ مِنَ المَلائِكَةِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ بِمَكْرُوهِ مَا يَنْزِلُ مِنَ البَلاءِ وَمَحْبُوبِ الرَّخَاءِ، وَالسَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ، وَالحَفَظَةِ الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ، وَمَلَكِ الْمَوْتِ وَأَعْوَانِهِ، وَمُنكَرٍ وَتَكِيرٍ وَرُوْمَانَ فَتَانِ القُبُورِ، وَالطَّائِفِينَ بِالبَيْتِ المَعْمُورِ وَمَالِكٍ، وَالخَزَنَةِ وَرِضْوَانَ وَسَدَئَةِ الجَنَانِ، وَالَّذِينَ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ، وَالَّذِينَ يَقُولُونَ: «سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ»[28] وَالزَّبَانِيَةِ الَّذِينَ إِذَا قِيلَ لَهُمْ: «خُذُوهُ فَعْلُوهُ * ثُمَّ الجَحِيمَ صَلُّوهُ»[29] ابْتَدَرُوهُ سِرَاعاً وَلَمْ يَنْفِرُوهُ، وَمَنْ أَوْهَمْنَا ذِكْرَهُ وَلَمْ نَعْلَمْ مَكَانَهُ مِنْكَ وَبِأَيِّ أَمْرٍ وَكَلْتَهُ وَسُكَّانِ الهَوَاءِ وَالْأَرْضِ وَالمَاءِ، وَمَنْ مِنْهُمْ عَلَى الخَلْقِ.

 

اللغة: «مثقال الشيء»: ميزانه من مثله، و«كال» الطعام واكتاله كيلاً ومكيلاً: بمعنى والاسم الكيلة بالكسر ؛ والكيل والمكيال والكيلة[30]: ما يكيل به وكيل الدراهم وَزَنَها، والشيء بالشيء: قاسه، و«الاعجه الأمر»: اشتد عليه، واعتلجت الأمواج: التطمت والسفرة الملائكة الذين يسفرون بين الله تعالى وبين أنبيائه و يقال: سفرت بين القوم إذا مشيت بينهم بالصلح، و«رومان» بضم الراء: ملك يكون مع ابن آدم في قبره والفتنة» تطلق على المحسنة والعذاب، وسدن الكعبة: خدمها، و«الزبانية» مأخوذ من الزبن: وهو الدفع، و«غل فلاناً»: وضع في يده أو في عنقه الغلّ، و«الجحيم»: النار العظمى يعذب بها من تعظم على الناس، و«صلى اللحم»: شواه؛ ويده بالنار سَخَّنَها، وأصلاه النار وصلاه إياها: أدخله إياها، و«أوهم كذا من الحساب»: أسقطه.

 

الإعراب: لو كان «الذين» جمع «الذي» لعمّ من يعقل وغيره: لأن دلالة الجمع دلالة تكرار واحده بالعطف، مع أنه ليس كذلك، فهو اسم جمع مقدر الإعراب إلا على لغة من يرفعه بالواو، ومحله هنا الجرّ بالعطف على المجرور قبله، و«مثاقيل» المضاف إلى «المياه» منصوب على أنه مفعول ثان لعرّفت والضمير البارز[31] العائد إلى[32] الموصول مفعوله الأول، والجملة الصلة، و«كيل» بالنصب معطوف على الثاني مضاف إلى «ما» الموصولة المختصة بما لا يعقل و لواعج المضاف إلى «الأمطار» المجرورة بالإضافة فاعل الفعل قبله الناصب للضمير العائد على الموصول، والجملة الصلة فلا محل لها من الإعراب.

و «الواو» عطفت «العوالج» على «اللواعج»، و «من» بيانية جازة للملائكة، وهما في محل نصب حال من رسلك»، ومثله إلى أهل الأرض» أو متعلق برسلك لما فيه من رائحة الفعل، وكذا القول في الباء الجارّة لـ «مكروه المضاف إلى «ما» الموصولة التي للمصاحبة كباء «اهبط بسلام»[33]، أو للتبعيض على القول بثبوتها كالتي في «عيناً يَشرَبُ بِها عِبادُ اللهِ»[34] و «من» التي للجنس الجارّرة لـ«البلاء» متعلقة بـ«ينزل»، والجملة صلة الموصول و محبوب معطوف على مكروه» مضاف إلى «الرخاء» والمحبوب لا يكون مكروهاً فلا يتبع البلاء وهو أعم من نزوله من السماء، بل قد يخلق في الأرض وإن كان لها فيه تأثير؛ لأنها تطلق على الأجرام العلوية، و«السفرة» بالجرّ معطوف على «رسلك»، و«الكرام» «البررة نعتان تابعان وهكذا القول في «الحفظة». وما بعده من المعطوفات.

 

و«فتان» المضاف إلى «القبور» مخفوض على أنه نعت «رومان»، و«رضوان» مجرور بالفتحة غير منصرف للعلمية وزيادة الألف والنون، وجملة «لا يعصون الله» من الفعل والفاعل - العائد إلى الموصول - والمفعول صلة الموصول، و«ما» في «ما أمرهم» إما مصدرية زمانية فهي متعلقة بالفعل قبلها كالتي في قوله تعالى «فاتقوا الله ما استطعتم»[35] فيكون المراد بالعصيان فعل المناهي، فالجملة المعطوفة تأسيس لا تأكيد أي لا يرتكبون المناهى ولا يتركون الأوامر أو غير زمانية فهي مع صلتها في محل نصب بدل من لفظ الجلالة، أي: ما أمرهم به على معنى لا ينكرون أمره أو موصولة على حذف الجاز توسعاً في الكلام، أي: «فيما أمرهم به فيكون على التقديرين مدحاً لهم بالتصديق، ويفعلون ما يؤمرون» مدحاً بالعمل أو الأول للماضي والثاني للمستقبل، فهم مع عدم عصيانهم عصيانهم غير محتمل.

 

و«سلام» مبتدأ. وتنكيره للتعظيم وهو المجوز للابتداء به، و«عليكم» الخبر والجملة مقولة القول فهي منصوبة المحلّ. والباقي بما متعلقة بسلام أو بمحذوف على تقدير «هذه الكرامة بما صبرتم» و «ما» مصدرية، وقيل: موصولة، فيكون العائد محذوفاً أي: «عليه من فعل الطاعة وتجنّب المعاصي»، و«عقبى» المضاف إلى «الدار» فاعل «نعم»، والمخصوص بالمدح محذوف، أي: «ما أوتيتم من الكرامة»، و«إذا» ظرف مضمن معنى الشرط، ولهم» متعلق بـ «قيل» المبني للمفعول الذي هو شرطها والجملة بعده في محلّ رفع على أنها نائب الفاعل: لأنها المقولة، و«الفاء» في «فعلوه» عاطفة للتعقيب والعطف بـ «ثم» في «ثم الجحيم» لتفاوت ما بينهما في الشدة و«الجحيم» منصوب على أنه مفعول ثان لـ«صلوه مقدم عليه للدلالة على التخصيص، و«سراعاً» حال من الضمير في «ابتدروه» الذي هو الفاعل، والجملة جواب «إذا».

 

و «لم» جازمة لينظروه من انظر، وعلامة جزمه سقوط النون، و«ذكر» المضاف إلى الضمير العائد إلى الموصول منصوب على أنه مفعول «أوهمنا»، والجملة الصلة والجملة بعدها المجزوم فعلها بـ «لم»، معطوفة أو حالية؛ لأن الحال وصف وهو مشعر بالعلية، و«منك» متعلق بمكان؛ لأنه بمعنى المنزلة، و«أي» في «بأي أمر» ليست موصولة؛ لأنها لا تضاف إلّا إلى المعرفة، فهي إما استفهامية مجرورة بالباء المتعلقة بوكلته، فالفعل معلق بالاستفهام عن العمل فيما بعده أ أو شرطية، والجواب محذوف بدلالة «أوهمنا ذكره» عليه، فالتقدير: «أي أمر وكلته به فنذكره به» فلما حذف به جر أي بالباء، وفيه تكلّف أو دالّة على معنى الكمال صفة لنكرة محذوفة فالتقدير: «بأمر أي أمر وكلته به قالباء متعلّقة بـ «نعلم)»، وجملة «وكلته» نعت لـ «أمر» و «من» موصولة، و«منهم» و «على الخلق» متعلقان بمحذوف صلة «من» أو منهم حال من فاعل الظرف، و«على الخلق» الصلة فتأمل.

 

المعنى: وصلّ على الملائكة الذين عرفتهم بما أودعتهم من العقول، وألهمتهم من الطاعة والقبول، مثاقيل المياه وكيل ما تحويه لواعج الأمطار وعو الجها فلا يتعدون أمرك ولا يخطون في قدر ما أمرتهم به من رحمتك وسخطك، ورسلك من الملائكة النازلين إلى أهل الأرض إنجازاً لوعدك بمكروه ما ينزل من البلاء من الآفات السماوية، ومحبوب الرخاء بتحريك القوى النباتية وسعت كل شيء رحمتك فالويل لمن شملته بسوء مما كسبت يداه نقمتك. وصلّ على السفرة الكرام البررة بتبليغ وحيك أنبيائك العظام، والحفظة الكرام الكاتبين أفعال العباد الشاهدين بذلك يوم التناد، وملك الموت الموكل بقبض الأرواح، وأعوانه الذين بأمرك لا يخالفونه بما حرّم عليهم وأباح ومنكر ونكير السائلين عن كل فعل وضمير، ورومان فنّان القبور النازل بمحنتك وعذابك المزيلان لكلّ ،سرور والطائفين بالبيت المعمور الملازمين طاعتك في جميع الأمور، ومالك خازن النار، والخزنة ورضوان المؤتمنين على دار القرار وسدنة الجنان القائمين على مواهب الرحمان والذين على النار التي وقودها الناس والحجارة أعاذنا الله منها - بالهداية إلى عين اليقين، وجعلنا بلطفه من المؤمنين المتقين، فهم الغلاظ في أقوالهم إجابة لأمره، الشداد في أفعالهم خوفاً من طرده وزجره، لا يعصون الله ما أمرهم إيماناً وتصديقاً ويفعلون ما يؤمرون به فلا يتخذون عن سنته طريقاً.

 

والذين يقولون - كلما دخلوا على المؤمنين وسروا بسلامتهم من عذاب النار : «سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار»[36]، والزبانية الذين إذا قال من أُوتِيَ كتابه بشمالِهِ: «يا ليتني لم أُوتَ كتابيه * ولم أدر ما حسابيه * يا ليتها كانت القاضية * ما أغنى عني ماليه *هلك عني سلطانيه»[37] قيل لهم: «خذوه فغلوه * ثم الجحيم صلّوه»[38] فأطاعوا أمر ربهم وابتدروه سراعاً ولم ينظروه، ومن أوهمنا في صلاتنا على الملائكة المقربين ذكره، ولم نعلم مكانه منك ولم يبلغنا مرتبته وأمره. وبأي أمر وكلته فنعلم منزلته وقدره، وسكان الهواء والأرض والماء الموكلين ببديع حكمتك على النشو والنماء ومن منهم على الخلق يحفظونهم بإذن الخالق القدير ويدبرونهم بأمره أحسن تدبير.

 

الدعاء: فَصَلِّ عَلَيْهِمْ يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ، وَصَلِّ عَلَيْهِمْ صَلاةٌ تَرِيدُهُمْ كَرَامَةً عَلَى كَرَامَتِهِمْ، وَطَهَارَةً عَلَى طَهَارَتِهِمْ اللَّهُمَّ وَإِذَا صَلَّيْتَ عَلَى مَلَائِكَتِكَ وَرُسُلِكَ وَبَلَّغْتَهُمْ صَلَوَاتِنَا عَلَيْهِمْ فَصَلِّ عَلَيْهِمْ بِمَا فَتَحْتَ لَنَا مِنْ حُسْنِ القَوْلِ فِيهِمْ، إِنَّكَ جَوَادُ كَرِيمٌ .

 

اللغة: «السائق» و«الشهيد ملكان أحدهما يسوقه والآخر يشهد بعمله أو ملك جامع للوصفين[39]، وقيل: «السائق» كاتب السيئات و«الشهيد كاتب الحسنات، وقيل: «السائق» نفسه أو قرينه و «الشهيد جوارحه وأعماله[40]، والقائم على كل نفس بما كسبت هو الله سبحانه

 

الإعراب: «يوم» ظرف متصرف منصرف غير محدود يضاف ماضيه إلى الجملة الاسمية أو الفعلية حملاً على «إذ»، ومضارعه إلى الفعلية فقط حملاً على «إذا»، وهو مضاف إلى الجملة بعده متعلق بـ «صل»، و«كلّ» فاعل «تأتي» قيل: لم يسمع عن العرب دخول «ال» عليها، وقد جوّز ذلك مضافةً إلى «نفس»، ولإفادتها تعريف ما أضيفت إليه، فمعها الظرف منصوب على الحالية، و«قائم» وعلى نسخة ابن إدريس: سائق» فاعل لعامل الظرف و«شهید» معطوف عليه، و«صلاة» منصوب على أنه مفعول مطلق، والجملة بعده في محلّ نصب على أنّها نعته وكرامة» مفعول ثان لتزيد و«على» في «على كرامتهم بمعنی مع». متعلقه بـ «تزيد» أو للاستعلاء المعنوي، كما في «و فضلنا بعضهم على بعض»[41]، فالجار والمجرور نعت للكرامة؛ لأنها نكرة، ومثله «وطهارة على طهارتهم» المعطوفة بالواو. و«الواو» في «وإذا زائدة أو عاطفة، و«اللهم» نداء معترض المزيد الاستعانة والتبرك وجملة «صليت» شرط «إذا» و «صلاتنا» منصوب على أنه مفعول ثان لبلغت المعطوف على «صليت»، و«الفاء رابطة، وجملة «صل عليهم جوابها و«الباء» الجازة لما الموصولة متعلّقة بـ «صل»، و«لنا» متعلق بفتحت، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف أي فتحته»، ومن حسن حال من العائد، و«فيهم» متعلق بالقول، و«إنّ» بالكسر لوقوعها في الابتداء حرف توكيد، و«الكاف» في محلّ نصب على أنها اسمها، و«جواد» مرفوع على أنه الخبر و«كريم» خبر بعد خبر.

 

المعنى: فصلّ عليهم صلاة تكون لنا عوناً على أهوال يوم الوعيد، يوم تأتي كلّ نفس معها سائق وشهيد، وصلّ عليهم صلاة تزيدهم كرامة على كرامتهم و تزيدنا إيماناً ينجينا من العذاب الشديد وطهارة على طهارتهم فتشرفهم بإنزال بركاتك علينا وفضل جديد، اللهم وإذا صليت على ملائكتك أجمعين ورسلك المقربين، وبلغتهم صلاتنا عليهم، وفضلتنا بذلك على كثير من العالمين، فصلّ عليهم بما فتحت لنا من حسن القول فيهم بهداك المبين، وعرفتنا مرتبتهم بما أنزلت على رسولك الأمين إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم، وأنت جواد كريم.

 

الشارح: حفيد الشهید الثاني، الشيخ علي بن زين الدين بن محمد العاملي المعروف بـ«الشيخ علي الصغير»

مأخوذة من الکتاب: شرح الصحيفة السجادية، ص: 115 – 134 .

 

[1] «م»: إلى آخره.

[2] الحاقة: ١٧ .

[3] الكافي ۱ / ۱۲۹: ... فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام: «إن العرش خلقه الله تعالى من أنوار أربعة نور أحمر؛ منه احمرت الحمرة، ونور أخضرا منه اخضرت الخضرة، ونور أصفرا منه اصفرت الصفرة ونور أبيض، منه ابيض البياض» الحديث.

[4] الشورى: ٥٢ .

[5] تفسير القمي ۲۷۹/۲: تأويل الآيات الطاهرة ٢ / ٥٥١ .

[6] الزمر: ٢٢ .

[7]  انظر بحار الأنوار ٦ / باب (۲) نفخ الصور وفناء الدنيا: 316، 7 / 19 .

[8] «م»: يحيي .

[9]  «م»: والانتقام.

[10] «م»: الشفاعات.

[11] مغني اللبيب ١ / ٤٣٠ (الباب الأول؛ حرف «من»).

[12] «م»: بعدها.

[13] النور: ٢ .

[14] «ش»: لعلّهم.

[15] «م»: بألسننا.

[16] في المصدر: كأنه نسبة.

[17] بين المعقفتين من المصدر.

[18] النهاية في غريب الحديث والأثر: ٢ / مادة روح ۲۷۲.

[19] بين المعقفتين من القاموس المحيط مادة «ق. ب. ل».

[20] بين المعقفتين من القاموس المحيط مادة «ز. ج. ل».

[21] الأنعام: ٣ .

[22] النحل: ٣٢ .

[23] انظر مغني اللبيب ١ / ١٢٠ .

[24] عوائق الدهر: الشواغل من أحداثه.

[25] «م»: عن.

[26] المثبت من النسختين، وفي الدعاء: «رعده».

[27] ما أثبتناء من النسختين، وفي الدعاءة «سبحت به».

[28] الرعد: ٢٤.

[29] الحاقة ۳۰ و ۳۱.

[30] «م»: والمكيلة.

[31] «م»: - البارز.

[32] «م»: على .

[33] هود: ٤٨ .

[34] الإنسان: ٦ .

[35]  التغابن: ١٦ .

[36] الرعد: ٢٤ .

[37] الحاقة ٢٥ – ٢٩ .

[38] الحاقة ٣٠ و ٣٤ .

[39] الكشاف ١ / ٣٨٦ .

[40] تفسير البيضاوي ٤٢٢/٢  .

[41] البقرة: ٢٥٣ .

الإنتاجات
k