الأقسام:

شرح الدعاء الرابع من الصحیفة السجادية

(شرح الدعاء الرابع)

وكان من دعائه الله في الصلاة على أتباع الرسل ومصدِّقِيهم

 

ولما كان الدعاء للمؤمنين على بلوغ الدرجة والزلفى معين، وبوساطتهم يدين الله من بوساطتهم في حمل الأخبار والآثار عن الرسول وأئمة الهدى يدين، أتبع الدعاء لأتباعهم بالصلاة عليهم، وسأل الله سبحانه أن يزيد لديه مراتبهم، ويوصل مزيد فضله إليه، فقال:

 

الدعاء: اللَّهُمَّ وَأَتْبَاعُ الرُّسُلِ وَمُصَدِّقُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ بِالْغَيْبِ عِنْدَ مُعَارَضَةِ المُعَانِدِينَ لَهُمْ بِالتَكْذِيبِ، وَالإِسْتِيَاقِ إِلَى الْمُرْسَلِينَ بِحَقَائِقِ الْإِيْمَانِ فِي كُلِّ دَهْرٍ وَزَمَانٍ أَرْسَلْتَ فِيهِ رَسُولاً، وَأَقَمْتَ لِأَهْلِهِ دَلِيلاً مِنْ لَدُنْ آدَمَ إِلَى مُحَمَّدٍ تَ مِنْ أئِمَّةِ الهُدى، وَقَادَةِ أَهْلِ التَّقى، عَلَى جَمِيعِهِمُ السَّلامُ، فَاذْكُرْهُمْ مِنْكَ بِمَغْفِرَةٍ وَرِضوان.

 

اللغة: «التبع محرّكة يكون واحداً وجمعاً ويجمع على أتباع، و«عند»: خالف الحق ورده عارفاً به، و«المعاندة»: المفارقة والمجانبة والمعارضة بالخلاف كالعناد و«الشوق»: نزاع النفس وحركة الهوى؛ جمعه أشواق؛ وقد شاقني حبها: هاجني؛ واشتاقه وإليه بمعنى وتشوّق أظهر تكلّفاً، و«الحقائق»: جمع . حقيقة؛ وجمع الحق حقوق، و«قاد فلان» تقدّم والقائد من الرجال المتقدم عليهم المتكفّل أمورهم؛ جمعه قادة، ورَضِي عنه وعليه؛ يرضى رضاً ورضواناً ضد سخط.

 

الإعراب: «أتباع) مرفوع على أنه مبتدأ وخبره محذوف بقرينة المقام أو جملة: على جميعهم السلام» أو جملة فاذكرهم»، فالفاء ربطت شبه الجواب بشبه الشرط و «مصدقوهم معطوف عليه وعلامة رفعه الواو، وحذفت نونه لإضافته إلى الضمير و«من» بيانية جارة لـ «أهل » المضاف إلى «الأرض»، والجار والمجرور في محلّ النصب على الحال أو نعت إن كان المقصود به الجنس بقرينة نيابة الإضافة إلى الضمير مناب اللام : لأن المعرف الجنسي كالنكرة.

 

و«الغيب» إن كان المراد به ما يقابل الحضور فالباء فيه ظرفية متعلقة بمصدّقوهم، أو حال من فاعله أي غائبين و الاشتياق معطوف عليه أي: «ليسوا كالمنافقين يقرون إذا حضروا، وينكرون إذا غابوا ويقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، وليس إيمانهم باللسان فقط، بل يصدّقون ويؤمنون بألسنتهم في الغيب عند المعارضة، ففي الحضور بطريق أولى، وبقلوبهم في الاشتياق إلى المرسلين أي عند تفكرهم وعلمهم - بدليل العقل: أن الله سبحانه (۱) رسلاً إلى عباده في كل عصر وزمان»، وإن كان المراد به المغيبات - أي ما غابت (۲) عنك - ولم تشهده من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، فالجار والمجرور في محلّ نصب على أنه مفعول به، و«الاشتياق معطوف على المعارضة أي يؤمنون بالغيب باللسان عند المعارضة الذي هو أظهر أفراده، وبالقلب عند الاشتياق، وعلى التقديرين فالإشارة إلى المرتبتين القلبي واللساني.

و«إلى المرسلين» متعلق بالاشتياق وكذا « حقائق»، و«في كلّ» وجملة أرسلت نعت لما قبله، و«لأهله» متعلق بأقمت المعطوف على «أرسلت»، و«لدن» اسم لأول الغاية ولا يستعمل إلا ظرفاً أو مجروراً بـ «من»، وإضافته إلى «ما» يفسره لازمة سوى غدوه فإنها قد تنصب بعده على التمييز، و «آدم» مضاف إليه مجرور بالفتحة؛ لأنه غير منصرف، و «من» و «إلى» متعلقان بالفعل قبلها، و«من» في «من أ أمة الهدى» بيانية والظرف حال من أتباع الرسل»، و«قادة أهل التق» معطوف عليه، وهو حال من «مصدقوهم» وفيه لق ونشر مرتب، وعموم الحال كعموم صاحبه فيشمل أمتنا وغيرهم من أئمة الأمم السالفة، وعلى جميعهم» خبر مقدم، و«السلام» مبتدأ مؤخر. والجملة دعائية مستأنفة لا محلّ لها من الإعراب إن لم تجعلها خبراً بتقديره بمعونة المقام، و«منك» و«بمغفرة» متعلقان بـ «اذكر»، الرافع للضمير الواجب الاستتار على الفاعلية الناصب للبارز على المفعولية.

 

المعنى: اللهم وأتباع الرسل الذين حملتهم مما حملتهم، وعلى كثير من العالمين فضلتهم، ومصدقوهم والمقرون بنبوتهم والمؤيدون بالتسنن بسنتهم من أهل الأرض بالغيب، حيث أخلصوا عقائدهم عن الشك والريب عند معارضة المعاندين لهم من المنافقين بالتكذيب إذا جادلوهم وألقوا إليهم الحجّة وقربوها لهم أحسن تقريب والذين صدقوهم وآمنوا عند التفكر في عظمة الله وقدرته، والاشتياق إلى المرسلين بحقائق الإيمان، حيث أيقنوا ذلك من عميم رحمته فاهتدوا إليهم بعمه فضله وعظيم حكمته، في كل دهر وزمان أرسلت فيه رسولاً، وأقمت لأهله بعد من ولاة الأمر دليلاً من لدن خلقت آدم وأرسلته وشرفته بعظيم الخطاب إلى زمان محمد حيث جعلته نبياً وأتيته الكتاب فهم من أئمة الهدى وقادة أهل التقى الذين يجب علينا الاقتداء بهم والائتمام على جميعهم منك السلام، فاذكرهم منك بمغفرة ورضوان، فلهم علينا جليل الفضل وجميل الإحسان.

 

الدعاء: اللَّهُمَّ وَأَصْحَابُ مُحَمَّدٍ خَاصَّةٌ الَّذِينَ أَحْسَنُوا الصَّحَابَةَ، وَالَّذِينَ أَبْلُوا البَلاءَ الحَسَنَ فِي نَصْرِهِ وَكَانَفُوهُ، وَأَسْرَعُوا إِلَى وَفَادَتِهِ، وَسَابَقُوا إِلَى دَعْوَتِهِ، وَاسْتَجَابُوا لَهُ حَيْثُ أَسْمَعَهُمْ حُجَّةَ رِسَالَاتِهِ، وَفَارَقُوا الْأَزْواجِ وَالْأَوْلَادَ فِي إِظْهَارِ كَلِمَتِهِ، وَقَاتَلُوا الآبَاءَ وَالأَبْنَاءَ فِي تَثْبِيتِ نُبُوَّتِهِ، وَانْتَصَرُوا بِهِ، وَمَنْ كَانُوا مُنْطَوِينَ عَلَى مَحَبَّهِ يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ فِي مَوَدَّتِهِ، وَالَّذِينَ هَجَرَتْهُمُ العَشَائِرُ إِذْ تَعَلَّقُوا بِعُرُوَتِهِ، وَانْتَقَتْ مِنْهُمُ القَرَابَاتُ إِذْ سَكَنُوا فِي ظِلُّ قَرَابَتِهِ، فَلَا تَنْسَ لَهُمْ اللَّهُمَّ مَا تَرَكُوا لَكَ وَفِيكَ، وَارْضِهِمْ مِنْ رِضْوَانِكَ، وَبِمَا حَاشَوا الخَلْقَ عَلَيْكَ، وَكَانُوا مَعَ رَسُولِكَ دُعَاةٌ لَكَ إِلَيْكَ، وَاشْكُرْهُمْ عَلَى هَجْرِهِمْ فِيكَ دِيَارَ قَوْمِهِمْ، وَخُرُوجِهِمْ مِنْ سَعَةِ المَعَاشِ إِلى ضِيقِهِ، وَمَنْ كَثَّرْتَ فِي إِعْزَازِ دِينِكَ مِنْ مَظلُومِهِمْ .

 

اللغة: «صحِبَه» كسمعه؛ صحابةً، ويكسر ؛ وصُحبةً عاشره، و«الإبلاء»: الإنعام والإحسان؛ يقال: بلوتُ الرجلَ وأبليت عنده بلاء حسناً، و«كنفه»: صانه وحفظه أو حاطه وأعانه، و«الوفادة» القدوم والورود، و«الحجّة»: ما يحج به الخصم أي يغلب و «الكلمة» قد تطلق على الكلام والمراد بها هنا الدعوة، و«النسوة» بفتح النون: الترك، و «حاشوا الخلق» مضبوط بفتح الشين أي جانبوهم وجعلوهم في حاشية على محبتك ولو كان من حاش بمعنى جمع لبني آخره على الضم إذا اتصل بواو الضمير.

 

الإعراب: «الواو» في «وأصحاب المضاف إلى محمّد عطفت الجملة على الجملة قبلها أو للاستئناف على جعل ما بعدها كلاماً مستقلاً، وخاصة» حال، والفاعل هنا يمعنى المفعول، و«الذين» في محلّ رفع على أنه نعت لأصحاب، ولو قدر نصبه على القطع لجاز، و«أحسنوا» فعل وفاعل، و«الصحابة» مفعوله، و«الذين» معطوف على «الذين» قبله، و«أبلوا» بفتح الهمزة فعل وفاعل، و«البلاء» مفعوله، و«الحسن» بالنصب نعته، «وفى نصره» متعلّق بـ «أبلوا»، و«كانفوه» فعل وفاعل ومفعول، و«إلى» متعلق بأسرعوا، و«له» و «حيث» المضاف إلى الجملة بعدها متعلقان باستجابوا، و«حجة المضافة إلى «رسالات المضافة إلى الضمير منصوب على أنه مفعول ثان لا سمع الناصب للضمير المتصل على أنه المفعول الأول. و «فارقوا» معطوف على «استجابوا»، و«الأزواج» منصوب على أنه مفعوله و«الأولاد» معطوف عليه، وفي الجازة لإظهار المضافة إلى «كلمته» تعليلية و «من» الموصولة معطوفة على «الذين» قبلها، و «على محبته» متعلق بمنطوين، وهو منصوب بالياء على أنه خبر «كان» الناقصة، والجملة صلة «من»، و«تجارة» مفعول يرجون»، والجملة حال من الضمير في «كانوا» ورابطها الضمير، وترك الواو هنا واجب؛ لأنها مصدّرة بالمضارع المثبت الخالي من «قد»، و«تبور» فعل مضارع منصوب بـ«لن»، والجملة في محلّ نصب على أنها نعت «تجارة»، و«في مودته» متعلق بـ«يرجون»، و«العشائر» مرفوع على أنه فاعل هجرت» الناصب للمتصل على المفعولية، والجملة صلة الموصول ، و«انتفت» معطوف على «تعلقوا»، و«منهم» متعلق به، و«القرابات» بفتح القاف مرفوع على أنه الفاعل، و«إذ» متعلق بـ «انتفت»، مضاف إلى الجملة بعده.

و «تنس» فعل مضارع مجزوم بـ «لا»، وعلامة جزمه حذف آخره، و «هم)) من به، و«اللهم» دعاء معترض بين الفعل ومفعوله وهو «ما» الموصولة بجملة «تركـ بعدها، والعائد ضمير منصوب جاز حذفه لذلك، ولك» و«فيك» متعلقان بـ«تركوا» والواو في «وبما حاشوا» عطفت ما بعدها على مقدّر قبله تقديره بما تركوا، و«عليك» متعلق بـ «حاشوا»، الناصب للخلق على المفعولية، «ودعاة» حال من اسم «كان» و«لك» و«إليك» متعلقان به واشكرهم معطوف على «لا تنس»، و«خروجهم» معطوف على «هجرهم»، والواو عطفت «من» الموصولة بكثرت على «الذين هجرتهم فهي في محلّ رفع أو على «ضيقه» قبلها فهي في محلّ جرّ، و«في» و«من» متعلقان بكثرت، ويمكن تعلّق «في» بـ«مظلومهم».

 

المعنى: اللهم قد هديتنا ووفقتنا لمعرفة التابعين رضاك المرضيين من عبادك الصالحين للاستضاءة بأنوار هداك، وأصحاب محمد الله خاصة من بين الأمم السالفة والقرون الماضية، الذين اتخذوا بذل الأرواح في صحبته عيشة راضية. وأحسنوا الصحابة طلباً للفوز بجنّة عالية قطوفها دانية لا يسمع فيها لاغية، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره، وبذلوا الأموال والذخائر حبّاً لظهور أمره، وكانفوه وأسرعوا إلى وفادته وصانوه وحفظوه منسرين بقدومه إليهم وهجرته، وسابقوا حيث دعاهم إلى سماع دعوته، واستجابوا له حيث أسمعهم حجة رسالاته، وبين لهم ما خفي عليهم من حكمته تعالى وآياته، وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته بين العباد وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوته وإبانة الخفاء، وانتصروا به على كيد الأعداء ومن كانوا منطوين على محبته لا يلويهم عنها تشعب الأهواء، يرجون تجارة لن تبور في مودته (۳) من عظيم الآلاء. والذين هجرتهم العشائر مذ عميت منهم البصائر وباعدوهم إذ تعلّقوا بعروته ولزموا محاسن طريقته، وانتفت منهم القرابات لما احتموا بحمايته، فتسلّوا عنهم إذ سكنوا في ظل قرابته، فلا تنس لهم اللهم ما تركوا لك من الأزواج والأولاد طلباً لرضاك، وباعدوا فيك من العشائر والقرابات مكتفين بعزّك وعلاك، واجزهم بذلك خير الجزاء، وارضهم من رضوانك وبما حاشوا الخلق، وجانبوهم عليك وهجر وهم لرضاك، وكانوا مع رسولك دعاة لك إليك، لا يرومون سواك، واشكرهم وأثبهم ثواب الشاكرين على هجرهم فيك ديار ،قومهم وخروجهم من سعة المعاش إلى ضيقة منتظرين لفسحة يومهم، ومن كثرت في إعزاز دينك من مظلومهم ليزدادوا إيماناً بإنجاز ما وعدتهم من الانتصار، ويفيئوا إلى عبادتك والتوسل بك في الانتقام والأخذ بالثأر.

ومن يرجع إليك بما دهاه

ينل من فضلك الوافي مناه

 

ومن يطلب بغير علاك ذخراً

سيرديه ولم يشعر هواه

 

إليك وكلت يا رحمان أمري

ومن لي في مهماتي سواه

 

الدعاء: اللَّهُمَّ وَأَوْصِلْ إِلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَان الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيْمَانِ خَيْرَ جَزَائِكَ الَّذِينَ قَصَدُوا سَمْتَهُمْ، وَتَحَرَّوْا وِجْهَتَهُمْ، وَمَضَوْا عَلَى شَاكِلَتِهِمْ ، لَمْ يُثْنِهِمْ ، بَصِيرَتِهِمْ، وَلَمْ يَحْتَلِجْهُمْ شَكٍّ فِي قَفْوِ آثَارِهِمْ، وَالانْتِمَامِ بِهِدَايَةِ مَنَارِهِمْ، مُكَانِفِينَ وَمُوازِرِينَ لَهُمْ، يَدِينُونَ بدِينِهِمْ، وَيَهْتَدُونَ بِهُداهُمْ، يُنْفِقُونَ عَلَيْهِمْ وَلَا يَتَّهِمُونَهُمْ فِيمَا أَدُّوا إِلَيْهِمْ.

 

اللغة: «السمت»: الهيئة الحسنة التي هي هيئة أهل الخير والطريق، يقال: الزم هذا السمت وفلان حسن السمت أي. القصد، وتحرى الشيء: تعمده وقصده، و«الوجهة» بالكسر : الناحية كالجهة والوجه، و«الشاكلة» الشكل أي الشبه والناحية والنية والطريقة والمذهب، و«الريب»: الشك وقيل: هو مع التهمة، و«الائتمام»: الاقتداء، و«المنار»: موضع النور كالمنارة والعلم أو ما يوضع بين الشيئين من الحدود الشك ومحجة الطريق.

 

الإعراب: «الواو» عطفت «أوصل» على «اشكر»، و«التابعين» مفعوله، وعلامة نصبه الياء، و«لهم» متعلق بالتابعين والضمير لأصحاب محمد ، وكذا «بإحسان» و «الذين» في محلّ نصب على أنه نعت «التابعين». وجملة «يقولون» صلة الموصول و «ربّ» منادى محذوف منه حرف النداء منصوب لإضافته إلى الضمير المتصل به و «اغفر» فعل أمر مبني على السكون، و«لنا» متعلق به، والجملة في محلّ نصب على أنها مقول القول، والواو عطفت « لإخواننا» على «لنا»، و«الذين» نعت «إخوان». و «سبقونا» فعل وفاعل عائد على الموصول وهو «واو» الضمير، ومفعول وهو ضمير «نا»، و«بالايمان» متعلق به أو حال من فاعله والجملة صلة الموصول، و«خير» منصوب على أنه مفعول «أوصل» مضاف إلى «جزاء» المضاف إلى الكاف. و«الذين» نعت ثان لإخوان، ويحتمل كونه مفعول «جزائك» أو منصوباً على التخصيص، وجملة «قصدوا صلته و «سمت» منصوب على المفعولية مضاف إلى الضمير العائد على أصحاب محمد الله » و «تحروا» المحذوف منه الياء لالتقاء الساكنين بعد حذف الضمّة المستثقلة عليها معطوف على «قصدوا» نصب «وجهة» المضاف إلى «هم» على المفعولية، وعلى شاكلتهم» متعلّق بـ «مضوا»، و«في بصيرتهم» متعلق بـ«ريب»، المرفوع على أنه فاعل «يتن» المجزوم بلم بحذف الياء الناصب للضمير المتصل به على المفعولية، والجملة في محلّ نصب حال من «إخوان»، و«في» الجار لـ «قفو» متعلق بشك أو «يختلج)»، و«الانتمام» بالجز معطوف على «قفو»، والباء في «هداية» متعلّقة به، و«مكانفين» منصوب بالياء على الحالية أيضاً، وهكذا الجمل بعده.

 

المعنى: اللهم وأوصل التابعين لأصحاب محمد في قفو طريق الصواب الموازرين لهم بإحسان في ضبط ما بلغهم وأدائه من محكم الأحكام وجليل الخطاب. الذين يقولون لتيقنهم بلوغ الأمن في أصل العقائد والأمان، وربنا اغفر لنا تقصيرنا فيما يليق بجنابك وما ارتكبناه من الذنوب بالجهل والنسيان ولإخواننا في الدين من عبادك المخلصين الذين سبقونا فائزين بالإيمان، واجزهم خير جزائك، إنك المتفضّل بالعظام، وأنت الكريم المنّان، فلقد مننت على أصحاب محمد لما جاهدوا فيك بالهداية إلى خير السموت، والتوفيق إلى بلوغ أحسن الطريق، والاتصاف بأحسن النعوت وهؤلاء الذين قصدوا سمتهم فبلغهم إلى ذلك رضاك وتحرّوا وجهتهم فلم تجبههم بالردّ المزيد عزّك وعلاك، ومضوا على شاكلتهم وطريقتهم المثلى لم يثنهم ريب في بصيرتهم، حيث لم يجدوا لما ألهموا له من الحق نظيراً ولا مثلاً، ولم يختلجهم شك في قفو ،آثارهم، بل أوقفهم على سواء السبيل تتبع أسرارهم، والائتمام بهداية منارهم، حتى ظهر لهم ببينات الحدود نتائج الموصلات إلى حكم المعبود مكانفين وموازرين لهم بضبط الأخبار، وتوضيح المشكلات وبيان الأسرار، يدينون بدينهم، ويهتدون بهداهم، معرضين بأتم البراهين عن تشكيكات من ناواهم ينفقون عليهم بواضح الدليل بتصحيح ما صح عنهم وتزييف ما لا يروي الغليل، ولا يتهمونهم فيها أدوا إليهم، ويتأملونه حتى يزهق  الباطل ويحق الحق لديهم.

ومن يسلك صراطاً مستقيماً

ينل من سعيه الشافي نعيماً

 

ومن يعدل عن الإنصاف يهلك

فيصلي من إساءته جحيماً

 

إليك اليوم قد وجهت وجهي

لتهديني صراطاً مستقيماً

 

الدعاء: اللَّهُمَّ وَصَلِّ عَلَى التَّابِعِينَ مِنْ يَوْمِنَا هَذَا وَإِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَلَى أَزْوَاجِهِمْ وَعَلَى ذُرِّيَّاتِهِمْ وَعَلَى مَنْ أَطَاعَكَ مِنْهُمْ صَلَاةٌ تَعْصِمُهُمْ بِهَا مِنْ مَعْصِيَتِكَ، وَتَفْسَحُ لَهُمْ بِها فِي رِياضِ جَنَّتِكَ، وَتَمَنَعُهُمْ بِها مِنْ كَيْدِ الشَّيْطَانِ، وَتُعِينُهُمْ بِهَا عَلَى مَا اسْتَعَانُوكَ عَلَيْهِ مِنْ بِرٍ، وَتَقِيهِمْ طَوَارِقَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِلَّا طَارِقاً يَطْرُقُ بِخَيْرٍ وَتَبْعَثُهُمْ بِهَا عَلَى اعْتِقَادِ حُسْنِ الرَّجَاءِ لَكَ، وَالطَّمَعِ فِيمَا عِنْدَكَ، وَتَرْكِ النُّهُمَةِ فِيمَا تَحْوِيهِ أَيْدِي العِبَادِ لِتَرُدَّهُمْ إِلَى الرَّغْبَةِ إِلَيْكَ وَالرَّهْبَةِ مِنْكَ، وَتُزَهُدَهُمْ فِي سَعَةٍ العاجِلِ، وتُحبِّبَ إِلَيْهِمُ العَمَلَ لِلْآجِلِ، وَالاسْتِعْدَادِ لِمَا بَعْدَ المَوْتِ، وَتُهَوِّنَ عَلَيْهِمْ كُلَّ كَرْبٍ يَحُلُّ بِهِمْ يَوْمَ خُرُوجِ الْأَنْفُسِ مِنْ أَبْدَانِهَا، وَتُعَافِيَهُمْ مِمَّا تَفَعُ بِهِ الْفِتْنَةٌ مِنْ مَحْذُورَاتِهَا، وَكَيَّةِ النَّارِ وَطُولِ الخُلُودِ فِيهَا، وَتُصَيِّرَهُمْ إِلَى أَمْنٍ مِنْ مُقِيلِ المُتَّقِينَ .

 

اللغة: «الذرية» - وتكسر - ولد الرجل جمع الذريات والذراري، و«عصمه» متعه ووقاه، وفسح له - كمنع : وسع، وكلّ آت بالليل يسمى طارقاً لحاجته إلى دق الباب والمراد بطوارق الليل والنهار حوادتها و«التهمة فعلة من الوهم والتاء بدل من الواو وقد تفتح الهاء» و «رغب» فيه كسمع - رغباً ويضم أراده وإليه رغباً - محركة - ورغبى ويضم ورغباء كصحراء - ابتهل أو هو الضراعة والمسألة و«رهب» كعلم - رهبة ورهباً بالضم وبالفتح وبالتحريك : خاف، و«العاجل»: الدنيا، و«الآجل»: الآخرة ومما يطلق عليه الفتنة اختلاف الناس في الآراء وهو المناسب هنا و«الكبة» بالفتح : شدة الشيء ومعظمه وكبة النار صدمتها، و«المقيل»: محل القيلولة وهي الاستراحة نصف النهار وإن لم يكن معها نوم يقال: قال يقيل قيلولة؛ فهو قائل.

الإعراب: تعلق الجاز في من يومنا بالتابعين، يخصصه لشمول اسم الفاعل الأزمنة الثلاثة وإن اختلفوا في كون دلالته على الماضي حقيقة أو مجازاً، وذكره بعد «التابعين لهم بإحسان إما لعموم مفهومه أو لاستحقاقهم مزيد الدعاء لتكاثر الشبهات وتشعب الآراء وإن تعلّق بـ «صل»، فذكر «التابعين» لعطف ما بعده عليه لطول الفصل أو تأكيد لما قبله أو تأسيس لقصد الشمول. والواو في «وإلى يوم الدين على الأوّل لشمول من يتجدد ومن لم يبق إليه من الموجودين، وعلى الثاني طلب لتجدّدها وإشارة إلى أنه لا انقطاع لرحمة الله حتى يقيد بغاية، بل المسئول تتابعها إلى هذه النهاية، ولما اشتملت الذرية من بلغ حد التكليف ومن لم يدركه عطف و«على من أطاعك منهم» على ما قبله للإشارة إلى أن الدعاء الأول كان لمن لم يوصف بالإطاعة وعدمها؛ لعدم قبول المحل، وهم غير المكلفين، فخرج العاصي عن الدعاء و«صلاة» مفعول مطلق، والجملة بعدها في محلّ نصب على أنها نعت لها، و«بها» ومن معصيتك من متعلقاتها، والجمل بعدها معطوفات عليها، و«ما» المجرورة بـ «علی» المتعلقة بتعينهم موصولة بجملة استعانوك عليه»، و«من» في «من بر» لبيان الجنس والظرف حال من «ما»، و«طوارق» المضاف إلى «الليل» مفعول ثان لتقي، الناصب للضمير المتصل به على أنه الأوّل، و «طارقاً» منصوب على أنه مستثنى بـ «إلا» من «طوارق» متصلاً إن عم، ومنقطعاً بدونه وجملة «يطرق بخير» في محلّ نصب على أنها نعت «طارق»، و«اعتقاد» المضاف إلى «حسن» المضاف إلى «الرجاء» العامل في «لك» مجرور بـ «على» المتعلقة بـ «تبعث»، الناصبة للضمير المتعلّق بها «بها».

و«الطمع معطوف على «اعتقاد»، والجاز لـ«ما» الموصولة متعلق به، و«عندك» الصلة، و«أيدي» فاعل «تحوي» الناصبة للعائد، والجملة صلة «ما» المجرورة بـ«في» المتعلقة بالتهمة، المضاف إليها «ترك» المعطوف على «الطمع» و «ترد» فعل مضارع منصوب بـ «أن» مضمرة بعد اللام ناصب للضمير بعده على المفعولية، و«إلى الرغبة» متعلق به، و«إليك» متعلق بالرغبة، وتزهد بالنصب عطف على «ترد»، وهكذا الأفعال بعده، و«للآجل» متعلّق بالعمل، وعلى نسخة ابن إدريس: الآجل بالنصب على أنه نعت «العمل»، و«لما» متعلّق بالاستعداد المنصوب بالعطف على «العمل». و «بعد» المضاف إلى «الموت» صلة «ما»، والعائد فاعل الظرف، و«يوم» المضاف إلى «خروج» متعلق بـ «يحلّ» أو بـ «تهون»، و«الفتنة» فاعل «تقع»، و«من محذوراتها» بدل من «ما تقع بدل بعض ، و«كبّة» بالجرّ عطف على «ما»، و«من مقيل» في محلّ جر على أنه نعت لـ«أمن».

 

المعنى: اللهم وصلّ على التابعين أهل البصائر والهدى، التاكبين عن طرق أهل الغواية ومن بهم إلى سبيل الضلالة ،اقتدى، وتابع عليهم صلواتك ورحمتك التي لا انقطاع لها من يومنا هذا، وأدمها على كلّ تابع إلى يوم الدين؛ ليكون لهم سروراً وهدى لمن تمسك بجميل ألطافك بحبل الأئمة الهادين، وصل على أزواجهم؛ ليكون لهم بذلك مزيد السرور، وعلى ذرِّيَّاتهم؛ ليكون لهم وقاية عن الغواية والغرور وعلى من شكر نعماك وأطاعك منهم بعد التكليف، ولازم سبيل رضاك عالماً بأنك الخبير اللطيف صلاة تعصمهم بها بما تمنحهم من الملكة القدسية من معصيتك وتفسح لهم بها ] باتباع رضاك في رياض جنّتك، وتتفضل عليهم بقوة على طاعتك بعظيم رحمة تمنعهم بها من كيد الشيطان، وتعينهم بصلاتك عليهم، وتقويهم بها على ما استعانوك عليه من بر، إنّك الكريم المنّان، وتقيهم طوارق الليل والنهار إلا طارقاً يطرق بخير يا ،رحمان وتبعثهم بها غير زائغين عن الحق، معتمدين على اعتقاد حسن الرجاء لك، آيسين من رحمة غيرك، وملازمين الطمع فيما عندك، وترك التهمة، وظنّ النفع فيما تحويه أيدي العباد؛ فإنّ فضلك الباقي وما عداه مآله الزوال والفساد، و تفعل بهم ذلك إلهي لتردّهم عما تسوقهم إليه الأهواء إلى الرغبة إليك. فلا يعتمدون في مهماتهم إلا عليك، وتؤيّدهم بالخوف والرهبة منك ليطول وقوفهم موقف الأذلاء بين يديك.

وتزهدهم في سعة العاجل فتزيدهم سعياً إلى رضاك، وتحبب إليهم العمل للآجل بما تمنحهم من فضلك وهداك، وتوفّقهم للسعي قبل الفوت حتى يكون همهم الاستعداد لما بعد الموت، وتهوّن عليهم كلّ كرب يحل بهم يوم خروج الأنفس من أبدانها برحمتك التي تعفو بها عن جليل الذنب، وتطمئن بها النفوس بعد توالي أحزانها، وتعافيهم بعد تشعب الآراء ممّا تقع به الفتنة من محذوراتها، وتريهم لاتباع سبل الهدى واضح دلائلها وآياتها، وتنجهم من كبة النار وصدمتها، وطول الخلود فيها، وتتجاوز عن خطاهم ونسيانهم ما سمعته آذانهم فلم يتخذوا لها قلوباً تعيها، وتصيرهم إلى أمن من مقيل المتقين بما تمن عليهم من هدايتك الموصلة إلى عين اليقين.

وأنت الذى تعطى وتمنع والذي

ينال المنى من أمّ بالشوق بابه

 

وأنت الذي بالفضل يدعو عباده

ولا يمنع العاصي لجود خطابه

 

وأنت الذي نلنا سوابغ بره

نراقب حُبّاً في المزيد جنابه

 

يقيني يقيني والحوادث جمة

ودهري بجهل في حكم نابه

 

ومن يتخذ حصناً جنابك لم يخف

وأنت الذي نرجو ونخشى عقابه

 

الشارح: حفيد الشهید الثاني، الشيخ علي بن زين الدين بن محمد العاملي المعروف بـ«الشيخ علي الصغير»

مأخوذة من الکتاب: شرح الصحيفة السجادية، ص: ١١٥ – ١٣٤ .

الإنتاجات
k