الأقسام:

شرح دعاء السحر - اللهم إني أسألك بقدرتك كلها

شرح دعاء السحر - روح الله الموسوي الخميني رحمه‌الله

«اللهم إني أسألك من قدرتك بالقدرة التي استطلت بها على كلّ شي‏ء، و كلّ قدرتك مستطيلة. اللهم إني أسألك بقدرتك كلها.»

القدرة من أمهات الصفات الإلهية، و من الأئمة السبعة التي هي الحياة و العلم والارادة و القدرة و السمع و البصر والتكلم. و لها الحيطة التامة و الشمول الكلي، و ان كانت محتاجة في التحقق إلى الحياة و العلم.

هذه إحدى مراتب الاستطالة و سعة القدرة،ان كان المراد بالشي‏ء شيئية التعينات الصفاتية و الأسمائية أي: الأعيان الثابتة في الحضرة العلمية. و هي على لسان الحكيم كون الفاعل في ذاته بحيث إن شاء فعل و ان لم يشأ لم يفعل. والمشيئة المأخوذة في القدرة الإلهية هي التي بحسب الحقيقة عين الذات المقدسة، و لاينافيها تأحّد المشيئة في الحضرة الربوبية، لعقد الشرطية من الواجبتين والممتنعتين و الممكنتين: أَ لَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَكَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَ لَوْ شَاءَلَجَعَلَهُ ساكِنا. و هو تعالى شاء بالمشيئة الأزلية الذاتية الواجبة الممتنعة العدم ان يمد ظل الوجودو يبسط الرحمة في الغيب و الشهود، لأن واجب الوجود بالذات واجب الوجود من جميع الجهات و الحيثيات، و لوشاء ان يجعل الفيض مقبوضا و ظل الوجود ساكنا لجعله ساكنا مقبوضا، لكنه لم يشأ و يمتنع ان يشاء.

و على لسان المتكلم صحة الفعل و الترك، لتوهم لزوم الموجبية في حقه تعالى و هو منزه عنها. و هذا التنزيه تشبيه و التقديس تنقيص، للزوم التركيب في ذاته و الإمكانفي صفته الذاتية، تعالى عن ذلك علوا كبيرا و لم يتفطنوا ان الفاعل الموجب من كان فعله بغير علم و إرادة او كان الفعل منافرا لذاته، و هو تعالى علمه و قدرته و إرادته عين ذاته، احديّ الذات و الصفات، ومجعولاته ملائمات لذاته. فإذا كان الفعل الصادر عن الفاعل الممكن، مع علمه الناقص الممكن الزائل، والارادة المسخرة للدواعي الزائدةالخارجية، و الأغراض غير الحاصلة لذاته يكون عناختياره فكيف بالفاعل الواجب بالذات والصفات أ ترى ان وجوب الذات و تمامية الصفات و بساطة الحقيقة و شدة الإحاطة و العلم السرمدي و الارادة الازلية توجب الموجبية، ام الإمكان و اللاشيئية والزوال و بطلان الحقيقة و دثور الذات و الصفات و الحدوث و التجدد والتصرم و التغير من شرائط الاختيار، او إمكان ان لا يفعل المؤدي إلى الجهل، بلالإمكان في ذات الفاعل من محققات حقيقة الاختيار؟ فانتبه يا حبيبي من نومتك و انظر بعين الحقيقة و البصيرة إلى ربك و لا تكن من الجاهلين. تنبيه للمستبصرين و ايقاظ للراقدين و اعلم، هداك اللّه إلى طرق اسمائه و تجلیل قلبك بصفاته و اسمائه، ان الأعيان الموجودة الخارجية ظل الأعيان الثابتة في الحضرة العلمية، و هي ظل الأسماء الإلهية الحاصلة بالحب الذاتي من حضرة الجمع، وطلب ظهور مفاتيح الغيب بالفيض الأقدس في الحضرة العلمية، و بالفيض المقدس في النشأة العينية. و الفيض الاقدس اشمل من الفيض المقدس، لتعلقه بالممكنات و الممتنعات. فإن الأعيان منها ممكن و منها ممتنع، و الممتنع، منه فرضي كشريك الباري و اجتماع النقيضين، ومنه حقيقي كصور الأسماء المستأثرة لنفسه، كما قال الشيخ في الفتوحات: «و اما الأسماء الخارجة عن الخلق و النسب فلايعلمها الا هو لأنه لا تعلق لها بالأكوان.» انتهى كلامه.

فما كان قابلا في الحضرة العلمية للوجود الخارجي تعلق به الفيض المقدس، و ما لايكون قابلا لم يتعلق به، اما لعلوّ الممتنع و عدم الدخول تحت الاسم الظاهر، و اما لقصوره وبطلان ذاته و عدم قابليته.

فإن القابل من حضرة الجمع، فعدم تعلّق القدرة بالممتنعات الفرضية و الذوات الباطلة من جهة عدم قابليتها، لا عدم القدرة عليها و عجز الفاعل عن ايجادها، تعالى عن ذلك علواكبيرا. قال السيد المحقق الداماد و السند الممجد الأستاذ ذو الرئاستين العقلية و النقلية وذو السيادتين العلمية و العملية أستاذ الكل في الكل، رضي اللّه تعالى عنه و جزاه اللّه عن أولياء الحكمة و المعرفة أفضل الجزاء، في القبسات: «إنما مصحح المقدورية و مناط صحة الوقوع تحت سلطان تعلق القدرة الربوبية الوجوبية هو طباع الإمكان الذاتي. فكل ممكن بالذات فإنه في سلسلة الاستناد منته إلى الباري القيوم الواجب بالذات، جل سلطانه، و مستند هو و جميع ما يتوقف وجوده عليه من الممكنات في السلسلة الطولية إليه سبحانه».

ثم قال: «و هو الخلاق على الإطلاق لكل ذي سبب، بقاطبة علله و أسبابه، إذ لا يخرج شي‏ء مما يعوزه في سلسلة الفاقة الإمكانية عن علمه و إرادته و صنعه و قدرته، تعالى كبريائه. فإذن قد بان و استبان ان عدم تعلق القدرة الحقة الوجوبية بالممتنعات الذاتية من جهة المفروض مقدورا عليه إذ لا حقيقة و لاشيئية له بوجه من الوجوه أصلا لا من جهة نقصان القدرة و عجزها. فهذا سر ما تسمعهم يقولون: الإمكان مصحح المقدورية لا مصحح القادرية. فالمحال غير مقدور عليه بحسب نفسه الباطلة لا انه معجوز عنه بالنسبة إلى القدرة الحقة، فإن بين التعبيرين بل بين المفهومين المعبر عنهما بالعبارتين فرقانا مستبينا و مباينة ما بائنة.» انتهى كلامه بالفاظه، نوّر اللّه مضجعه و اسكنه اللّه جنته.

و قد بلغ كمال النصاب في التحقيق و أتى بغاية الصواب و التوفيق، كيف و هو امام الفلسفة و ابن بجدتها و شيخ أصحاب المعرفة و سيد سادتها. اشراق عرشي و اعلم أيها المسكين، ان السالك إلى اللّه بقدم المعرفة قد ينكشف له في بعض حالاته ان سلسلة الوجود و منازل الغيب و مراحل الشهود من تجليات قدرته تعالى و درجات بسط سلطنته و مالكيته، و لا ظهور لمقدرة الا مقدرته و لا إرادة إلا إرادته، بل لا وجود الا وجوده. فالعالم كما انه ظل وجوده ورشحة جوده ظل كمال وجوده، فقدرته وسعت كلشي‏ء و قهرت على كل شي‏ء. و الموجودات بجهات أنفسها لا شيئية لها و لا وجود، فضلا عن كمالات الوجود من العلم و القدرة. و بالجهات المنتسبة إلى بارئها القيوم كلّها درجات قدرته و حيثيات كمال ذاته و ظهور أسمائه وصفاته. و من ذلك ينكشف [وجه‏] قوله «بالقدرة التي استطلت بها على كل شي‏ء»، فإن الاستطالة هي سعة القدرة و بسط السلطنة عليها، و هو تعالى بظهور قدرته وسع كل شي‏ء: مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها. و له تعالى الاستطالة و بسط القدرة بالفيض المقدس على الأعيان الموجودة و المهيات المحققة، في عوالم الشهادة المضافة والمطلقة، و له الاستطالة بالفيض الأقدس على الأعيان الثابتة و المهيات المقدرة في الحضرة العلمية الجمعية.

ثم إن القدير من الأسماء الذاتية على مامر من تحقيق شيخنا العارف الكامل، ادام اللّه تأييداته. و القادر من أسماءالصفات على ما عيّن الشيخ الكبير في إنشاء الدوائر. و المقتدر باسماء الأفعال أشبه، و انجعله الشيخ من أسماء الصفات.

و اللّه العالم.

الإنتاجات
k