الأقسام:

شروط الدعاء - شيخ مرتضى المطهري رحمه‌الله

شروط الدعاء - شيخ مرتضى المطهري رحمه‌الله

1- الرغبة والطلب الحدي

الشرط الأول: أن تتملك وجود الإنسان الرغبة و الطلب الجدي، حيث تصبح كل شرائح وجوده وخل اياه معبرة عن طلبه، ويتحول ما يريده، ويرغب فيه، إلى حاجة حقيقية، كما لو تعرض موضع من البدن، للاحتياج فإن جميع أعضاء البدن وجوارحه. سوف تبدأ بالعمل، و ربما تزيد بعض الأعضاء من فعاليتها، من أجل أن تشبع حاجة ذلك الموضع، فلو شعر الإنسان بالعطش، فإن ملامح عطشه ستبدوعليه، واضحة، وتهتف أعضاؤه كلها طالبة، الماء: الفم، والكبد، والمعدة، والشفة، واللسان، وحتى لو نام في تلك اللحظات فسوف يلوح الماء له في نومه، لأن البدن يحتاج و يطالب بالماء جديًا، وهذا تمامًا كالاحتياج الروحي والمعنوي في الإنسان، الذي هو جزء من عالم الخليقة والتكوين، الذي يشمل العالم كله، أن الروح الإنسانية جزء من عالم من الوجود، فلو افتقرت لشيء ما، بصورة جدية وحقيقية، فإن جهاز الكون الكبير، لا يهملها، ولا يدعها لشأنها. ولكن..... أنت الذي تحلم بشفاه الحبيب، و كأس الخمر، لا تطمع بعمل آخر، فإنه لا يمكن كذلك ما دمت تحلم بهما. أيها القلب، لو تعرفت على نور الهداية،فستكون كالشمع، يضحك ولكنه يضحي برأسه)


2ـ أن لا يخالف السنن التكوينية و التشريعية

ويشترط في الدعاء أن لا يكون مخالفًا لنظام التكوين والتشريع، فالدعاء استمداد و استعانة، ليتوصل من خلاله الداعي إلى الأهداف التي قررها له التكوين والوجود،أو التشريع والقوانين السماوية والإلهية، المنسجمة في طبيعتها مع التكوين، فإذا كان الدعاء بهذه الصورة، فسوف يتخذ لنفسه طابع الحاجة الطبيعية وسوف يندفع الوجود لتقديم المعونة له، وإيصال الفيض والمدد لحاجته ومتطلباته، بحكم المحافظة على التوازن والتعادل الذي يتسم به نظاما لوجود، وأما لو كان الطلب والاحتياج مخالفًا لأهداف التكوين والتشريع، أمثالا لمطالبة بالخلود في الدنيا، أو بقطع الرحم، فإن مثل هذا الدعاء لا يقبل الاستجابة، أي أن هذه الأدعية لا تكون تطبيقات حقيقية للدعاء.


3ـ مجانسة شؤون الداعي كلها مع الدعاء

ويشترط أيضًا، أن تكون شؤون الداعي كلها،و شتى مجالات حياته، و إبعادها، متناغمة مع الدعاء ومواكبة له، فلا بد أن تكون جميعها متطابقة، بدورها أيضًا مع أهداف التكوين و التشريع فالقلب لا بد أن يكون نظيفًا و طاهرًا، ولم يسلك لمعيشته طرق الحرام، ولا يحمل على عاتقه وزرًا ومظلمة لأحد، و في حديث عن الأمام الصادق (عليه‌السلام):

«إذا أراد أحدكم أن يستجاب له فليطلب كسبه و ليخرج من مظالم الناس أن الله لا يرفع إليه دعاء عبد وفي بطنه حرام أو عنده مظلمة لأحد من خلقه».


4_ أن لا يكون مطلوبه من آثار الذنوب

الشرط الرابع: أن لا تكون حالته الراهنة التي يحلم بتغييرها إلى حياة أفضل، بالدعاء، قد حصلت نتيجة عصيانه، و تهاونه في ممارسة وظائفه وتكاليفه، فيجب أن لاتكون الحالة التي عليها الداعي، و التي يدعو من أجل تغيرها، عقوبة في حقه، ونتيجة منطقية لما اقترفه من ذنوب، واستهانة بوظائفه، فإن حالته حينئذٍ لا تتغير بالدعاء وحده، بل لا بد أن يتوب، ويستغفر، و يزيل كل أسباب الحالة الراهنة وعواملها.

فمثلاً، الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، من الواجبات الشرعية، وصلاح المجتمع، أو فساده، متوقف تمامًا، على تطبيق هذين الأصلين، وعدمه، والنتيجة المنطقية لعدم تطبيقهما هو توفير المناخ المساعد، لسيطرة الأشرار على مقدرات المجتمع، والعبث بما شاوؤا به، وإذا فرط المجتمع في ممارسة هذه المهمة المقدسة، فسوف يتعرض للعقوبة، وللنتيجة المنطقية الناجمة من تقصير هذا المجتمع وتفريطه بالوظائف الملقاة على عاتقه، وطريق الخلاص من الواقع التعيس الذي يعيشونه، يتحدد بالتوبة، وممارسة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، بمدى ما يملكونه، من إمكانات و قدرات وبذلك فحسب، سيتوصلون إلى الآمال التي يحملون بها (إن الله لا يغير ما يقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) وهذه من السنن الإلهية، وفيرواية معتبرة «لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيدعو خياركم ثم تدعون فلا يستجيب لكم»وفي الواقع أن مثل هذه الأدعية على خلاف السنن التكوينية و التشريعية. 

وهكذا الأمر بالنسبة لمن يستسلم للبطالة و الكسل، فلا يعمل شيئًا، بل كل ما يفعله هو الدعاء، فإن هذه الحالة مخالفة للسنن التكوينية والتشريعية. يقول الأمام علي (عليه‌السلام): «الداعي بلا عمل كالراميبلا وتر» فلا بد أن يضم العمل للدعاء، لأنكل واحد منهما يكمل الآخر.


5- يلزم أن لا يحل الدعاء محل العمل

الشرط الخامس للدعاء: أن يكون الإنسان محتاجاً واقعاً، ويتحقق ذلك في المجال الذي لا يمتلك فيه الإنسان أي وسيلة و سبيل للوصول لمطلوبه، حيث يكون عاجزاً عن التوصل إليه، وأما لو وضع الله تعالى، فييده، مفتاح حاجته، ولكنه كفر بتلك النعمة الإلهية، وتجنب استخدام هذا المفتاح ثم يطلب من الله أن يفتح له تلك الباب التي یتملك مفتاحها، حتى لا يتحمل عناء استخدام المفتاح، فمثل هذا الدعاء لا يقبل الاستجابة.

ومثل هذه الأدعية، يلزم عدها من الأدعية المخالفة للسنن التكوينية، إن الإنسان يستهدف من الدعاء تحصيل القدرة، والدعاء في مثل هذه الحالة التي تتوافر فيها القدرة لدى الإنسان، من قبيل تحصيل الحاصل، وقد أشير لهذه الفكرة، في بعض الروايات التي وردت عن أئمة الدين (عليهم‌السلام).

فقد روى جعفر بن إبراهيم عن أبي عبد الله الصادق (عليه‌السلام) قال: «أربعة لايستجاب لهم دعوة: رجل جالس في بيته يقول:اللهم ارزقني، فيقال له: ألم آمرك في الطلب؟ ورجل كانت له امرأة فاجرة، فدعاعليها، فيقال له: ألم أجعل أمرها إليك؟ ورجل كان له مال فأفسده، فيقول: اللهم ارزقني، فيقال له ألم آمرك بالإصلاح(بالاقتصاد) ثم قال: (والذين إذا أنفقوا لميسرفوا، ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً) ورجل كان له مال فأدناه رجلاً ولم يشهد عليه فجحده، فيقال له: لم آمرك بالإشهاد».

ومن الواضح أن عدم الاستجابة لا تختص بهذه الأربعة، فإنها قد ذكرت من باب المثال، فإذا تمكن الإنسان من التوصل لأهدافه بواسطة العمل التدبير، ولكنه قصر في ذلك، ويرغب في أن يحل الدعاء محل عمله، فإن ذلكلا يتحقق أبداً. أن الدعاء لم يشرع حتى يتخذ موقع العمل، بل الدعاء مكمل للعمل،ولا يحل محله.

الإنتاجات
k