الأقسام:

شرح جزء من دعاء الکميل

«اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء»
من أدب الدعاء أن يبدأ الداعي بالقسم على خالقه بصفاته وأسمائه؛ جلبة للعطف عليه، فيبدأ بكلمة: يا اللّه. وقد اختلف علماء العربية في كيفية تركيبها الخارجي وكيف صارت «اللّهمّ» بدلا من «یا اللّه»، فقال بعضهم: إن هذه الكلمة أصلها «يا اللّه» فهي منادی، ولكثرة دورانها على الألسن حذف حرف النداء «یا» وعوّض عنه بمیم مشدّدة وضعت في آخر الكلمة، فكانت بحسب التركيب الخارجي «اللّهمّ».
«إني أسألك»
إنّي بمعنى أنا، ولكن هذه الأنا تتجرد من كل الأنانية والحالة الفرعونية، بل هي إشارة إلى إنية الطبيعة والعقل، والأنا المتجردة من الأنانية والغرور لاتتمتع بالاستقلال بل مستسلمة لخالقها. إن «أنا» المعنوية تجسد الفقر الذاتي والحاجة.
والسؤال طلب ولكن الطلب إذا كان من العالي إلى الداني فهو أمر، و إذا كان من المساوي فهو التماس، أما إذا كان من الداني إلى العالي فهو سؤال، والسائل هو المستعطي كما أن الفقير يطلق عليه السائل، فالداعي هو فقير يسأل الله من رحمته، ولم يقل: ربي أريد أو أطلب، بل قال: «أسألك» فهو سائل بما تحتوي هذه الكلمة من خضوع وخشوع.
«برحمتك التي وسعت كل شيء»
الباء للقسم، فالداعي يقسم على ربه برحمته الواسعة، وهو القائل في كتابه: (رحمتي وسعت كل شيء) ، هذه الرحمة التي يطمع فيها إبليس كما قال الإمام الصادق عليه‌السلام: «إذا كان يوم القيامة نشر الله تبارك وتعالى رحمته حتى يطمع إبليس في رحمته»، فإنه تعالى ألزم نفسه بالرحمة، فلماذا اليأس والقنوط من رحمته تعالی؟! «قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله»
هذه الرحمة تفيض على الوجود ظاهره وباطنه باستمرار، فلو انقطع هذا الفيض لاستحال الوجود إلى عدم، فتجليات الرحمة الإلهية في كل جزء من الوجود، والعالم مركب من ذرات، (ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم).
والآن نحاول أن نبين آثار رحمة الله الواسعة التي تغمر الإنسان من كل مكان والتي تتجلي في مراحل تبلور حياة الإنسان التي سجلها القرآن بقوله: (قد خلقكم أطوارا)، وهذه المراحل هي:
المرحلة الأولى: التراب
(ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين)، فنطفة البشر هي حصيلة الغذاء من نبات ولحوم وألبان الحيوانات، والحيوانات تتغذي على النبات، والنباتات مصدرها التراب، وعناصره: الحديد والنحاس والكالسيوم وغيرها، فالإنسان في تكوينه المادي هو عصارة العناصر الترابية التي تنتقل باستمرار عبر الحيوان والنبات.
المرحلة الثانية : الماء
وهو الذي خلق من الماء بشراه"، يشبه علماء الإحياء الإنسان بالاسفنجة المنقوعة بالماء، فجسم الشخص الذي يزن 70 كغم يحتوي على ما يعادل ۵۰ الترة من الماء، وهذه نسبة ثابتة من الماء في جسمه، فإنه لن يستعيد عافيته أبدا إذا اختلت هذه النسبة، وهذا الماء يحوي ملحة، فإذا خرج من الخلايا يشبه ماء البحر.
المرحلة الثالثة: العلق
العلق في اللغة هو نوع من الديدان التي تلتصق و تتعلق بجدار الرحم، وهي حيوانات تسبح وتتغذى على الدم.
المرحلة الرابعة: الماء المهين
المرحلة الخامسة: الأمشاج
قال تعالى: (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج ).
المرحلة السادسة: الجنين
قال تعالى: (هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنی)
المرحلة السابعة: الظلمات الثلاث
قال تعالى: (يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاثه)، وهي كما ذكر المفسرون ظلمة البطن والرحم والمشيحة.
المرحلة الثامنة: ولوج الروح
قال تعالى: (ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين)، فبعد أن يصل عمر الجنين ۱۲۰ يوم ينفخ فيه الروح، وفي حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله«ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح».
المرحلة التاسعة: الولادة
قال تعالى: (أخرجكم من بطون أمهاتكم)، وبعد أن يولد الإنسان تتجلی عظمة الخالق فيه، فانظر إلى جهاز دماغ الإنسان وما يحتوي من عجائب، ثم انظر إلى جلده فهو مزود بمسامات و مجهز بغدد دهنية وغدد تقوم بالتعرق و تلطیف حرارة الجسم، إلى غير ذلك من مظاهر رحمة الله بالإنسان.
رحمة الله:
الإنسان وهو يطوي المسافات في الحياة لابد أن يخطئ، فالنسيان والجهل والعصيان أمور تعتور مسير الإنسان، وشاءت رحمة الله تعالى أن يبقى باب التوبة مفتوحة له، فمهما انحرف الإنسان فباب التوبة والإنابة مفتوح (والله ذو الفضل العظيم).
وجاء في الحديث عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنه «یؤتی بالمؤمن المذنب يوم القيامة حتى يوقف بين يدي الله (عزوجل)، فيكون هو الذي يلي حسابه فيوقفه على سيئاته، فيقول: عملت كذا وكذا في يوم كذا في ساعة كذا، فيقول: أعرف يا رب، قال: حتى يوقفه على سيئاته كلها، كل ذلك يقول: أعرف، فيقول (عزوجل): سترتها عليك في الدنيا وأغفرها لك اليوم، أبدلوها العبدي حسنات، قال: فترتفع صحيفته للناس، فيقولون: سبحان الله! أما كانت لهذا العبد ولا سيئة واحدة؟! وهو قول الله (عزوجل): (أولئك يبدّل الله سيئاتهم حسنات».
الورود على ربّ كريم:
يروى أن رجلا حكيما مرّ يوما بسكة فرأى أقوام يريدون إخراج شاب من المحلة لفساده، وامرأة تبكي قيل: إنها أمه، فأشفق الحكيم عليها فتشفع له عندهم، وقال: هبوه لي هذه المرة فإن عاد إلى فساده فشأنكم، فوهبوه له فمضى به الرجل، فلما كان بعد أيام اجتاز تلك السكة، فسمع بكاء العجوز، فقال في نفسه: لعل الشاب عاد إلى فساده فنفي من المحلة، فدقّ عليها الباب وسألها عن حال الشاب، فقالت: إنه مات فسألها عن حاله، فقالت: لما قرب أجله، قال: لا تخبري الجيران بموتي فلقد آذيتهم فإنهم سيشتمونني ولا يحضرون جنازتي، فإذا دفنتيني فإن لي خاتم مكتوب عليه (بسم الله الرحمن الرحيم) فادفنيه معي، ثم تشفعي لي عند ربي، ففعلت ما وصاها به، فلما انصرفت عن رأس القبر سمعت صوته يقول: انصرفي يا أماه فقد قدمت إلى رب کریم .
حقا إنها رحمة وسعت كل شيء، شملت كل العوالم ظاهرها وباطنها في الدنيا والآخرة، فأعطی من نعمه كل مخلوق وشمله برحمته.
ينقل الشيخ محسن قراءتي بأن والده متزوج من زوجتين ولم ينجب حتى بلغ عمره (45) سنة، وفي يوم من الأيام طرق جارهم الباب و كان يحمل کیسا فيه قطط، وقال: عندي كثير من الأولاد في البيت، وأنتم ليس عندكم أولاد ولا قطط، فخذوا هذه القطط الصغار تعيش في بيتكم، و كان تعدادها إحدى عشرة قطة، وكان لكلام الجار على أبي وقع شديد، فجلس في زاوية من الغرفة، وأخذ يبكي ويناجي ربه ويقول: إلهي لماذا حرمتني من الأولاد إلى درجة أن جاري أخذ يسخر مني؟
وفي تلك السنة حج والدي إلى بيت الله الحرام وهناك في بيت الله طلب ممن معه من أهل کاشان أن يشتركوا معه في الدعاء ويقولوا آمين، ويطلبوا من الله أن يرزقه ذرية أولهم يكون واعظا ومبلغا لإحكام الشريعة، فدعا الله سبحانه وتعالى بلهفة وأصدقاؤه يقولون ويردّدون: آمين. يقول الشيخ قراءتي: بعد سن الخامسة والأربعين رزق والدي أحد عشر ولدا كنت أولهم حيث صرت واعظا و مبلغا.

 

الإنتاجات
k